«كلما ارتفع السقف ارتفعت الكلفة».. معادلة موجودة في جميع مناحي الحياة بما فيها العمل السياسي، فالعمل السياسي في بلدنا يراوح بين الجمود والشلل وبين الحراك السريع، ويجب المرور على محطات تاريخية أهمها: استمرار الحياة الدستورية منذ 1992 وتوسعة قاعدة المشاركة في الانتخابات بدخول شرائح ابناء المتجنسين 1996، وكذلك دخول المرأة في الترشيح والانتخاب، وفصل ولاية العهد عن مجلس الوزراء وتولي أمير البلاد من خلال آلية المجلس المنتخب، وهي تطورات مهمة وتعبر عن محطات وعتبات ذات أسقف عالية، ولا شك ان هناك اخفاقات حكومية لا تخفى عن الاعين وهي توقف العملية التنموية وشللها، واتساع منظومة الفساد المالي والاداري، حتى أصبحت الجهات الرقابية تحتمل عبئا كبيرا على عمليات تسريع أي حدث تنموي او مشاريع مستقبلية، وصارت سمة التخوين ولغة التعنيف والاقصاء مكونتين رئيسيتين للعمل السياسي والاجتماعي، فارتفاع السقف واكب تغييرات تشهدها المنطقة وما يسمى «الربيع العربي»، وهي متغيرات شديدة السرعة ادى معظمها الى قبول الانظمة باللعبة البرلمانية والانتخابات كبديل عن الحكم الفردي المركزي في دول مثل مصر واليمن وليبيا، وتتميز بعوامل متشابهة هي الفقر وارتفاع عدد السكان والفساد والقهر وهشاشة المؤسسات الديموقراطية. ما يحدث في الكويت من حراك ورفع لسقف المطالبات شعاراتها تتطلب تغييرات هيكلية تعزز المشاركة الشعبية، وهي مرحلة تتطلب تنازلات وتفاهمات، وهو ما أشار اليه السفير البريطاني لمفهوم «التسوية» عندما تصل الامور الى طرق مسدودة.
الصراع الحالي حول تعديل «النظام الانتخابي» هو عنوان لمواجهة مستحقة رفعت خلالها افراد وجهات سياسية سقف المطالبة في سياسة اشبه بحافة الهاوية بدون تقدير عواقب هذه المواجهة وما سيترتب عليها من ردود افعال، ولذا فان المتابع المتعمق سيجد ان الخلاف الحقيقي كان خلافاً ضيقاً وفي دوائر ضيقة، ولكن كلفة التقديرات والحسابات غير المدروسة تجعل الخلاف يتسع ليتجاوز الصراع حول تعديل آلية الانتخاب ويزيده اتساعاً ليصبح صراعاً على السلطة وخارج الاطار الذي رسمه الدستور، وهنا يكون دور النخب السياسية وبالذات التي لديها خبرات في التعامل مع هذه الازمات للعب دور في طرح مكاسب وطنية في مجال الحريات العامة وتعزيز الدستور القائم على مبدأ المواطنة وسيادة القانون والدولة المدنية وتجنيب البلاد والعباد انتكاسات يدفع ثمنها الجميع.
د. محمد عبدالله العبدالجادر
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق