
إذا كان عهد المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح يُنسب إليه الإنجاز الأكبر، وهو نقل الكويت من المجتمع القبلي والعشائري وحكم المشيخة، إلى المجتمع المدني ضمن قوالب دستورية وقانونية تجسِّد الكرامة الوطنية للشعب الكويتي، فإن عهد صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، يحق أن يُعنوَن بعهد انتقال الكويت من مرحلة التذبذب بين الدولة الدستورية تحت التجربة، إلى الدولة الدستورية الراسخة.
لقد مرت الكويت خلال العهدين بظروف قاسية جدا، داخليا وخارجيا: فداخليا كان هناك تيار لم يستطع أن يتكيف مع ظروف الدولة القانونية الدستورية الديموقراطية، وكان يصطدم بالتيار الآخر الذي يمثله بصورة خاصة الجيل الجديد من مواليد الخمسينات، الذي ولد في ظروف واكبت تدفق الثروة النفطية، وانفتاح الكويت على مسرح الأحداث السياسية في العالم، من خلال البعثات التعليمية إلى الخارج واتساع مساحة التعليم، بالإضافة إلى ما طرأ على وسائل الإعلام (مقروءة أو مسموعة أو مرئية) من تطور لاسيما في الستينات بعد وضع الدستور الكويتي. وكان ذلك الصراع قد عكس نتائج سيئة على تقدّم الكويت، الذي كان يريده لها الشيخ عبدالله السالم رحمه الله، فقد انشغلت الكويت بسبب عدم حسم ذلك الصراع في السبعينات، وبقيت الكويت تراوح في مكانها في صراع بين الحداثة والرجعية رغم الظروف المادية المواتية التي وفدت إليها من العوائد النفطية، والتي كان ممكنا أن تضعها في مقدمة دول المنطقة قاطبة، كما كانت بدايتها في عهد أبو الدستور -المغفور له- الشيخ عبدالله السالم الصباح. وبسبب عدم حسم المسار الى الدولة الدستورية الديموقراطية، فقد أدى ذلك الى تخلّف الكويت عن قريناتها من دول المنطقة، واستشرى فيها الفساد الإداري والتشرذم الاجتماعي بين فئاتها وطوائفها. ومن الممكن أن تمتد تلك الحالة إلى المستقبل غير المنظور، ولكن من الواضح أن العزم والنظرة الثاقبة لسمو الشيخ صباح الأحمد الصباح، قد اتجها إلى حسم هذه الحالة، والعمل على ترسيخ الدولة الدستورية الديموقراطية، وما مرسوم إصلاح آلية الانتخاب وجعله حقا متساويا لكل فرد في المجتمع دون تمييز بين الطوائف والقبائل والعشائر، ومرسوم الوحدة الوطنية إلا محاولة لإبراز وتأكيد الوحدة الوطنية عما عداها، لتذوب من خلالهما تلك النعرات التي أدت الى الفتنة والتشرذم داخل الوطن الواحد، ولينصهر الشعب الكويتي في بوتقة الوطنية، مغلبا إياها على القبلية والطائفية والفئوية. إن هذين المرسومين يدلان على حسم الأمر والتوجّه لترسيخ الدولة القانونية العادلة. ولا اخال أي مخلص لوطنه الكويت يختلف مع هذا التوجّه الصادق المعبّر عن إرادة شعب الكويت. لقد آن الأوان ليتوجه الجميع ضمن هذا المسار لإعلاء الكويت وترسيخ الدولة الدستورية الديموقراطية، ونبذ الخلاف فيما بيننا، والسير خلف صاحب السمو، وهو يرفع راية الإصلاح والحسم الوطني لترسيخ قواعد الديموقراطية ودولة القانون واستشراف مستقبل زاهر. ويجب العزوف عن الفزعات والفوضى للخروج على القانون واختراق الأطر الدستورية.
مصطفى الصراف
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق