شهدنا في الأسبوعين الماضيين انقساماً سياسياً حاداً بين أطراف في التحالف الوطني والمنبر الديمقراطي ومعهم طبقة التجار حول الموقف من المشاركة في الانتخابات النيابية القادمة، فبعضهم أبدى تحفظا واضحا على مدى قانونية مرسوم الضرورة بتعديل قانون الانتخاب، كالدكتور أحمد الخطيب مثلاً، وبعضهم قرّر المشاركة كأحمد العبيد مثلاً، وهناك من لايزال مترددا رغم قفل باب الترشيح وابتداء الحملات الانتخابية كمرزوق الغانم ومحمد عبدالجادر مثلاً. وأمام ألوان الطيف الطبيعية والمختلفة في المواقف أحسب أن الأهم اليوم هو أن هناك مساحة فراغ اجتهادية لم تُحسم بعد بين عامة القوى الليبرالية والتقدمية في البلاد، مما خلق حالة من التجاذب السياسي والحراك الوطني المفيد في تلك القوى قد يساعد على بلورة فهم أفضل عند الناس لطبيعة صناعة القرار السياسي في تلك القوى من جانب، وقد يؤدي إلى تجديد الدماء المتصدّية للعمل السياسي في تلك القوى والتيارات من الجانب الآخر.
ويمكن معرفة حجم الحراك القائم بين تلك القوى حين المقارنة بين موقف الدكتور أحمد المنيس في اختلافه الشديد مع بعض رموز المنبر الديمقراطي وإعلانه إيقاف أهم معقل سياسي لهم هو ديوان والده المرحوم سامي المنيس، وأيضاً البيان الذي أصدرته مجموعة من الشخصيات البارزة في المنبر يدعون إلى المشاركة في الانتخابات من جانب، وبين موقف الدكتور أحمد الخطيب الذي يدعو إلى النزول إلى الشارع لمواجهة المرسوم، وأيضاً رفض صالح الملا الترشح من الجانب الآخر. لذا نتساءل ما الذي يجعل هذا الفارق كبيراً في المواقف في وقت يشهد التاريخ السياسي على أن القوى الوطنية هي أكثر المجموعات المنسجمة في مواقفها فيما يتعلق بالحراك الدستوري.
للإجابة على هذا التساؤل وبعيداً عن زوايا سوء الظن التي لا نجيد بحثها، لا بد من التركيز على أمرين، الأول يتعلق بظروف البلاد العامة، والثاني يتعلق بالبيت الداخلي للقوى والتجمعات الليبرالية والتقدمية في البلاد. فمن حيث الظروف لا يختلف اثنان على تداخل الكثير من المواضيع في بعضها البعض والانقسام الحاد بين المعارضة والسلطة إلى درجة لم يعد يستطيع أي شخص أو جهة تقديم النموذج الأمثل لاتباعه في إيجاد مخرج للوضع القائم، وتلك القوى الليبرالية والتقدمية كما بقية القوى الأخرى لا تملك العصا السحرية التي تستطيع إخراج البلاد من أزماتها القائمة.
أما الأمر الآخر وهو الأهم، والمتعلق بالبيت الداخلي، فأحسب أن الخلاف القائم اليوم ما هو إلا صورة مكرّرة من وضع وحال كل القوى السياسية في المجتمع الكويتي، حيث الاضطراب في خريطة طريق التطور الطبيعي والسياق الفطري لتلك القوى وتبدل مواقع أجيال تلك القوى السياسية واحتياجاتها العامة من جهة، وغياب الفكر التجديدي المستنير والطلائعي الذي غالباً ما يكون الحاضن الرئيس لخلق مشاريع ووضع مبادئ وابتكار رؤى استراتيجية واضحة من جهة أخرى. وبالتالي فإن النتيجة الطبيعية لفقدان كل ذلك هو الاضطراب والارتباك في اتخاذ القرار الجمعي مما يؤدي إلى الانقسام الحاد مع كل تحدّ تمر به البلاد، وهذا بالضبط هو حال تلك القوى الليبرالية والتقدمية. لذا، مع الكم الكبير من الشواهد التي تدل دلالة قطعية على أن هناك انقسامات حادة في المنبر الديمقراطي والتحالف الوطني، نتساءل في أي اتجاه يمكن أن يستقر الأمر بهما مع ترجيح استمرار سخونة الأحداث السياسية في البلاد؟! وهل ستشهد البلاد شتاءً قاسياً على تلك القوى السياسية تزيدها انقساما واضطراباً؟! أم إنه مخاض طبيعي سيؤسس لوضع مستقر أفضل بعيداً عن اللون الوطني السابق الذي رسمت هويتها السياسية من خلاله؟!
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق