نشرت الصحف بتاريخ 4 أبريل الجاري تصريحا للنائب مسلم البراك، أعرب فيه عن أمله بأن يسارع رئيس ديوان المحاسبة بإرسال تقرير الديوان بشأن لجنة تقصي الحقائق في تجاوزات الشركة الكويتية للاستثمار (حسب ادعائه) إلى رئيس مجلس الأمة. وفي هذا الصدد أود أن أبدي الملاحظات التالية بشأن هذا الموضوع:
1 – من بديهيات المنطق ألا يكون القاضي هو الخصم والحكم، وهذه قاعدة أساسية معروفة عالمياً ومحلياً، كما أن القاضي يفقد صفته كقاضٍ، إذا بنى حكمه على معلومات شخصية، فوظيفته الحكم، بناء على القرائن والأدلة التي يقدمها الخصوم.
وبما أن النائب مسلم البراك يترأس لجنة حماية الأموال العامة، فهو بمنزلة قاضي تحقيق سياسي، حيث إن التحقيق في اللجان البرلمانية ليس تحقيقاً مع موظفين، بل تحقيق يهدف في النهاية إلى أحد أمرين، وهما: إما مساءلة الوزير المختص سياسيا، وإما توجيه العمل البرلماني لإصدار تشريع أو قانون معين، لتلافي الإشكال محل التحقيق في المستقبل.
وبما أن البراك هو من قام باتهام الشركة الكويتية للاستثمار- عندما كنت وزيرا للمالية- ووجّه لها جملة من الانتقادات والمخالفات، حيث قمت إثر ذلك بتشكيل لجنة من كل من الهيئة العامة للاستثمار، ووزارة المالية، برئاسة «الفتوى والتشريع»، وأصدرت هذه اللجنة قبل خمس سنوات تقريرها الذي انتهت فيه إلى عدم وجود أي ملاحظات على عمل الشركة.
وتقرير اللجنة يعد رأيا استشاريا مقدما للوزير، وهو بذلك غير ملزم، ولا يمكن بالتالي أن يسائل النائب مسلم البراك من كتبوا هذا التقرير، لأنه رأي فني استشاري، ولا يمكن له أن يقوم باتهامهم بأنهم كانوا بمنزلة أداة لإعطاء صك براءة للشركة، وهو ما قاله النائب في الصحافة أكثر من مرة، وخلال فترة ترؤسه للجنة المعنية بالتحقيق.
وعليه فالمخالفة القانونية والدستورية التي يرتكبها النائب مسلم البراك واضحة للعيان، فهو الخصم والحكم في الوقت نفسه.
2 – إن إصرار النائب البراك على التحقيق مع أعضاء لجنة تقصي الحقائق، باعتبارهم متهمين، وبشكل منفرد، يطرح علامة استفهام عن سبب هذا الإصرار، وعما إذا كان النائب مسلم البراك ينشد الحقيقة فعلاً، ولو كان كذلك، لكان عليه أن يستدعي أعضاء اللجنة مجتمعين، فتقرير اللجنة ناتج عن عمل جماعي ووقعه أعضاؤها، وهو لا يعبر عن رأي عضو واحد في اللجنة، ولاسيما أن اللجنة تضم القانوني والمحاسب والمدقق وغير ذلك، وتتكامل هذه التخصصات في المداولة بين أعضاء اللجنة، ويقوم رئيس اللجنة بإعطاء رأي اللجنة رداً على تساؤلات لجنة حماية الأموال العامة.
فالإصرار على استدعائهم منفردين له مآرب وغايات تنبه لها أعضاء اللجنة، وهو أن يلجأ البراك إلى طرح أسئلة متكررة، وبصيغ مختلفة على أعضاء اللجنة، للوصول إلى اختلافات في أقوالهم، ولاسيما أن تقرير اللجنة مرت عليه خمس سنوات، وقد اعترضوا على التحقيق معهم بشكل منفرد، لأنهم أصدروا رأياً بشكل جماعي، فالتقرير لا يمكن أن ينسب لأحد منهم بشكل منفرد، كما أنه لا تجوز مساءلتهم عن أعمال التقصي والتحري، وإلا لأحجم الكثيرون عن القيام بمثل هذه الأعمال.
3 – إن الزعم من قبل النائب مسلم البراك بوجود تقرير سيصدر قريباً عن ديوان المحاسبة، يخالف تقرير لجنة تقصي الحقائق ويثير مسألتين:
الأولى: كيف يتأتى لرئيس اللجنة أن يعرف بهذا التقرير، وهو لم يصدر بعد، ليبني حكمه عليه، ويصرح عنه، وهو ما يخالف اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، التي تنص على أن أعمال اللجان سرية (اللائحة التنفيذية للمجلس- مادة 54).
والثانية: حتى وإن صدر مثل هذا التقرير عن ديوان المحاسبة، فهو سيشكل إدانة واضحة للديوان، ويطعن في مصداقيته ومهنيته، ويحوله من جهاز فني إلى جهاز سياسي يخضع للأهواء السياسية.
فتقرير لجنة تقصي الحقائق صدر قبل خمسة أعوام تقريباً، ونشر في الصحافة حينها، وديوان المحاسبة يعلم به تمام العلم، كما أن الديوان يعمل على تدقيق حسابات وميزانيات الشركة الكويتية للاستثمار، ولم يقم خلال السنوات الخمس الماضية، بإثارة أي ملاحظة من الملاحظات التي أثارها النائب مسلم البراك، فكيف فجأة ومن دون سابق إنذار سيوجه الديوان جملة من الملاحظات والمخالفات التي يثيرها النائب الفاضل، والتي تتعلق بأعمال تمت قبل ما يقارب 10 سنوات؟ فالأمر لا يخلو من توجيه سياسي، بعيد كل البعد عن أصول عمل ديوان المحاسبة، الأمر الذي نستبعده من الأفاضل قياديي ديوان المحاسبة.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق