هل الديموقراطة أو هل النظام الديموقراطي الدستوري البرلماني يعيق حركة التنمية والتطور؟ قطعا كلا، ولكن الذي يعيق التنمية و«يلعن أبو اسلاف» التنمية ويتسبب في توقف حركة الحياة هو تسييس كل شيء، والقراءة الخاطئة وغير الواعية للدستور وضيق الصدر بالمساءلة والنقد.
خلال الازمة الكويتية الراهنة تناول الكثير من الكتاب (عرباً واجانب) الازمة الكويتية بالكثير من القراءة الخاطئة واحيانا بالتهكم والاستخفاف، بل بعضهم ذهب ابعد من ذلك داعيا الى إلغاء النظام الديموقراطي والانتخابات ومجلس الامة على اعتبار ان الكويت مجتمع مترف وكل احتياجاته متوافرة بعكس البلدان التي تعاني شعوبها من جوع البطن وجوع الحرية، حيث الفقر وحيث الفساد والاضطهاد، وان الديموقراطية كانت السبب في توقف عجلة التنمية في الكويت التي كانت رائدة فيما تقدمت عليها شقيقاتها الخليجيات في التنمية وفي الريادة.
والواقع ان هذه القراءة السطحية والتافهة للازمة الكويتية تدل على الجهل أو على الخبث، وفي كلا الحالين ان كان اشفاقا على الكويت أو تحذيرا لشعوب الجوار غير الديموقراطية من المطالبة بالديموقراطية، فنحن في الداخل ادرى واعلم «بشعاب ديرتنا وبعلة ديموقراطيتنا» وبأسباب تراجع ترتيبنا الى الصفوف الخلفية.
ولعل في البداية ينبغي القول ان الكويتيين ليسوا وحدهم دون شعوب العالم يعيشون حالة الترف ورغد العيش، فهناك شعوب مماثلة بالحالة الكويتية، بل لعلها اكثر غدقا وترفا وعلى الرغم من ذلك فنظامها ديموقراطي برلماني تخضع حكوماتها للرقابة والمساءلة الشعبية، وحركة التنمية هناك مستمرة في المسير لا تتوقف، فلماذا نجحت الديموقراطية هناك واخفقت هنا عندنا في الكويت؟!
انني اعتقد ان احد اسباب الاخفاق ان ديموقراطيتنا نزلت بالبراشوت مفاجئة دون تمهيد أو توعية للمجتمع، فقد استقلت الكويت وبعد ذلك بأيام اعلن عن الدستور المؤقت ثم انتخاب المجلس التأسيسي الذي كلف بوضع الدستور الدائم (دستور 62) فدخلت البلاد في مهمة الانتخابات والديموقراطية والعمل السياسي، هذه النقلة أو الهزة من المؤكد قد ألقت بتأثيرها على نظام الحكم وعلى الشعب، فلا النظام قد مهد نفسه للنظام الديموقراطي والرقابة والمحاسبة ولا الشعب استوعب حقوقه من واجباته، ولعب النظام بإدارة شؤون البلاد وفق مقتضيات الدستور والنظام الديموقراطي فقد لجأ الى تسييس كل شيء، تسييس التنمية وتسييس المناقصات والترسيات وشراء الخواطر والترضيات والاكثر من الهبات بتوزيع الاراضي والقسائم الصناعية والزراعية والتخزين والجواخير والشاليهات والتعيين في المناصب القيادية والتوزير والمجالس الوهمية، كل ذلك وغيره لم يكن بقصد التطوير وتنمية البلد بقدر ما كان هدفه اسكات الصوت العالي والنقد وتغطية المفاسد والاخطاء.
تعطلت التنمية وتأخرت الكويت عن ركب التطور لأن السياسة طغت على كل شيء، ولأن الحكومات كانت فاشلة وضعيفة، كان الوزراء يدخلون قاعة جلسات مجلس الامة غير ملمين بشؤون وزاراتهم يتعرقون بالاجابة على اسئلة أو استجوابات النواب بل احيانا يغطون بالبكاء لضعف الموقف.
ان الديموقراطية لم تدمر الكويت ولا دمرت التنمية ولكن السياسة هي التي فعلت فعلها، تسييس المجتمع كان هو الاخطر، تقسيم المجتمع الى فئات ومكونات طائفية وقبلية واثنية هو الاخطر، كان يمكن ان يسير دوران عجلة التنمية دون توقف لو كانت هناك حكومات قوية واثقة من نفسها ومن قدراتها، كان يمكن ان تحافظ الكويت على انفتاحها وريادتها الفنية والثقافية لو لم يحتضن النظام القوى الدينية الرجعية والاسلام السياسي، لكن سياسة خلط الاوراق واللعب بالاحجار هي التي دمرت الكويت واخرجتها من الصفوف الامامية الى الصفوف الخلفية.
الديموقراطية لا تعيق التنمية والديموقراطية لا تخالف الترف وغدق الحياة، بل لعل الديموقراطية احد مظاهر الترف والغدق، ولكن الديموقراطية تنجح بالادارة الحكومية الداعية والكفؤة والمقتدرة الحكومة التي لا تخاف ولا ترتعد من المساءلة والاستجوابات، الحكومة التي تراقب وتحاسب نفسها قبل ان يحاسبها ويراقبها المجلس.
ان الكويت تستطيع ان تعود الى حيث كان مكانها في الصفوف الاولى بوجود حكومة ناجحة وادارة رشيدة.
لا تعيبوا الديموقراطية وانما عيبوا من يعيب الديموقراطية، فلا بديل عن الديموقراطية ولا بديل عن تطوير مسيرة الديموقراطية.
حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق