سأتشرف بمرافقة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد خلال زيارته الرسمية الى المملكة المتحدة هذا الاسبوع. إن مصائر المملكة المتحدة والكويت تتشابك منذ ألقت أول سفينة بريطانية بمرساها في خليج الكويت في منتصف القرن الثامن عشر. وقد كان تاريخنا المشترك والممتد شاهدا على القوات البريطانية وهي تهب للدفاع عن الكويت قبل وبعد الاستقلال. وتكريما للجنود البريطانيين الذين ضحوا بحياتهم خلال حرب تحرير الكويت، سيقوم سمو الأمير بوضع باقة من الزهور في وستمينستر آبي.
مهما بلغ عمق الروابط التاريخية ومهما بلغت درجة الإبهار في مظاهر مراسم استقبال سمو الأمير التي نعد لها على قدم وساق، فإنه ليس ذلك وحده ما يظهر قوة العلاقة بين المملكة المتحدة والكويت اليوم. فالسبب الحقيقي يكمن في صرح الهمم المشتركة الشامخ والمثير للاعجاب والذي تم بناؤه على أسس متينة من الاحترام المتبادل والقيم المشتركة، ويمكن رؤية ذلك بوضوح عبر مجريات العلاقة الثنائية.
تبقى المملكة المتحدة والكويت شريكين أساسيين يتعاونان معا في محاولة لتأمين الاستقرار في منطقة صعبة ودائمة التغير. فعلى الرغم من الصعوبات السياسية الأخيرة، تتشارك الكويت مع المملكة المتحدة في الكثير من المفاهيم حول كيفية تنفيذ السياسات، فحرية التعبير جزء لا يتجزأ من الثقافة الكويتية ويعد برلمانها المنتخب أحد أقوى الاصوات في المنطقة، ومنذ الاستقلال ومسار الكويت تجاه تطبيق الديموقراطية متمهل ولكنه هادف، نحو الاصلاح لا الثورة. إنني أتوقع أن يستمر هذا المسار وأن يؤدي ـ عندما يحين الوقت ـ الى دولة ديموقراطية حقة يشارك جميع أطياف شعبها في الحكم، دولة تمزج ما نراه نحن كسياسات حديثة مع التقاليد والاحترام وتفهم للماضي، دولة تشبه كثيرا المملكة المتحدة.
إلا أن العلاقات الثنائية في عالمنا المعاصر لا تتمركز فقط حول الحكومات. ففي عالم أصبحت التغريدة فيه تدور حول العالم في ثوان معدودة، أصبحت العلاقات الثنائية تتمحور حول الافراد بنفس درجة تمحورها حول الملوك والأمراء والوزراء والديبلوماسيين.
ونرى ذلك بوضوح في مجالي التجارة والاستثمار، فالروابط بين الكويت والمملكة المتحدة قوية ومتنامية، وعلى الرغم من أن الحكومة تستطيع التدخل والمساعدة، إلا أن الافراد والمشاريع والأعمال هم حقا الذين يعودون بالمنافع على أوطانهم. فأفراد مثل محمد الشايع استطاع انطلاقا من الكويت أن يخلق امبراطورية عالمية من تجارة التجزئة وحقوق الامتياز أساسها العلامات التجارية البريطانية، ليوفر وظائف وثروات في الكويت والمملكة المتحدة وأبعد منهما.
وينطبق النهج ذاته على الهيئة العامة للاستثمار في الكويت ومكتب الكويت للاستثمار بلندن ـ والذي يحتفل هذا العام بالعيد الستين لتأسيسه ـ فقد وفرت قدراتهما الفريدة على الاستثمار الحكيم الدعامة اللازمة للكويت لكي تنجو من الغزو، كما أنهما مستمران في تأمين مستقبل الاجيال الكويتية القادمة. وعلى الرغم من وجودهما في عالم دائم التغير وحرصهما على تنويع الاستثمار، إلا أن المملكة المتحدة تبقى وستستمر في كونها وجهة الاستثمار المفضلة لديهما، مما يخلق فرصا وإمكانيات للبريطانيين والكويتيين على حد سواء.
وهذان المثلان ما هما إلا غيض من فيض، فالشركات البريطانية التي تعمل من أجل تنفيذ مشاريع البنية التحتية لخطة الكويت الوطنية الطموحة للتنمية تعمل بنفس الحماسة والبراعة اللتين شهدتا تشييد حديقة لندن الاولمبية فوق أنقاض موقع صناعي في شرق لندن. كما أن بنوك الكويت تستفيد من كون مدينة لندن هي المركز العالمي للتمويل الاسلامي، وتم الاعلان مؤخرا عن استثمار كويتي بقيمة 500 مليون جنيه استرليني في نفط بحر الشمال البريطاني.
بخلاف عالم الاعمال والتجارة، فالافراد يسافرون بين الكويت والمملكة المتحدة ويلامسون القلوب والعقول ويكتسبون المعرفة ويوسعون آفاقهم. فهناك ستة آلاف بريطاني يقيمون ويعملون في الكويت. وفي كل عام، يتوافد الى المملكة المتحدة الآلاف من الشباب الكويتي للدراسة مستفيدين من وجود جامعات على أرقى مستوى، ويعقدون صداقات ويجمعون ذكريات تبقى معهم مدى الحياة. كما يحضر الجنود الكويتيون للدراسة في قلب مركز الإقدام العسكري البريطاني مثل كلية ساندهيرست العسكرية التي أتمت هذه السنة مائتي عام، في الوقت الذي يستمر فيه الجنود البريطانيون في الإقامة والعمل في الكويت بصفتهم شركاء ومستشارين للجيش الكويتي، مما يعكس علاقة دفاع صاغتها الصداقة وازدادت متانة على أرض المعارك. وعلاقاتنا الثقافية قوية أيضا، فلقد شهد هذا العام إقامة أكبر معرض للفن البريطاني في الكويت، ويقابله افتتاح معرض لأعمال شباب الفنانين الكويتيين في لندن نهاية هذا العام.
والعلاقات في عالم الرياضة لا تقل قوة، حيث لكل كويتي فريق كرة قدم إنجليزي مفضل عدا قيام عائلة الحساوي بشراء نادي نوتنغهام فوريست مؤخرا.
ولذلك، فعندما أنظر الى التحضيرات ومظاهر الفخامة والمراسم التي يتم التجهيز لها على قدم وساق للزيارة الرسمية البارزة والجديرة بأن تظل محفورة بالذاكرة، وفي الوقت الذي سأتذكر فيه بلا شك مشاهدها وأحداثها والأعمال المنجزة خلالها سأتذكر أيضا كل من يكمن خلف ذلك: شعبان قارب بينهما التاريخ وربطت بينهما الصداقة وهما يبنيان المستقبل معا على أسس من الاهتمامات والقيم المشتركة. اهتمامات وقيم لا يقتصر امتدادها على سمو الأمير وجلالة الملكة وحسب، بل تصل الى هؤلاء الأفراد في كلا البلدين والذين وجدوا أنفسهم ـ مثلي ـ يعملون كسفراء وقلوبهم معلقة بكل من المملكة المتحدة والكويت.
المصدر جريدة الانباء
قم بكتابة اول تعليق