في أثناء عملي في اليونان عام 1984 بمنصب الشخص الثاني بالسفارة، إذ كان يتولى رئاسة البعثة السفير صالح المحمد رحمه الله، وذلك بعد انتهاء مهمة السفير محمد سالم البلهان، تلقيت كتاباً من مكتب وكيل وزارة الخارجية يفيد بتكليفي بإنشاء قنصلية كويتية في مدينة ليماسول بجمهورية قبرص، وذلك خلال فترة الصيف نظراً للزيادة المطردة في أعداد المصطافين الكويتيين الذين تحول جزء كبير منهم من لبنان نظراً للأوضاع الأمنية والحرب الأهلية التي عصفت بذلك البلد الشقيق.
شددت الرحال إلى تلك المدينة الرائعة التي لم أكن قد سمعت عنها أو أعلم حتى بوجودها، لكنه العمل الدبلوماسي الذي يجعلك أحياناً كثيرة في مواجهة غير متوقعة، وفي مدن وعواصم لم تخطر لك على بال. بدأت العمل في حال وصولي باستئجار سيارة مع سائق ليتولى أيضا مهمة العلاقات العامة, بعد ذلك قمت باستئجار شقة ليست بعيدة عن المواطنين ومحل إقامتهم تتكون من غرفتين وصالة كبيرة وحولتها إلى “ديوانية”، حيث كانت ملتقى لعدد من رجالات الكويت، إذ يبدأ الحضور إليها منذ الصباح حتى موعد صلاة الظهر بشكل يومي ما عدا أيام العطل الرسمية.
كان من رجالات الكويت الذين تشرفنا بوجودهم معنا في قبرص الشيخ جابر العبدالله الجابر الصباح حفظه الله، وقد كنت أسعد بمرافقته في زياراته لبعض دواوين أهل الكويت في مدينة ليماسول.
في بداية عمل القنصلية التي كانت تعمل تحت مسمى “مكتب دولة الكويت”، لم يكن الكثير من المواطنين الذين كانوا يتزايدون باستمرار يعلمون بها، وقام بعضهم بالشراء والتملك مما أوجد بعض المشكلات نتيجة استغلال بعض المكاتب العقارية للوضع وانتقال المواطنين من لبنان إلى قبرص.
ورغبة في تعريف المواطنين بافتتاح القنصلية فقد دعيت إلى حفل غداء في أحد المطاعم العربية، وكان حضوراً مميزاً لعدد كبير من المواطنين، حيث قمنا بتوزيع عنوان القنصلية وهواتفها, ولعل أسوأ حادث مر علينا في تلك الفترة كان حادث الاغتيال الأليم الذي تعرض له العم محمد جاسم محمد المضف، وذلك عن عمر يناهز الثانية والسبعين عاما قضاها في خدمة هذا الوطن الغالي بداية في الديوان الأميري ثم مستشارا في ديوان ولي العهد الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح طيب الله ثراه.
ففي الخامس والعشرين من سبتمبر عام 1984 تعرض العم الفاضل محمد المضف رحمه الله لحادث إطلاق نار أودى بحياته، وقد تبين من نتيجة التحقيق الأولي الذي قام به فريق أمني كويتي بالتعاون مع السلطات الأمنية القبرصية أن من قام بعملية الاغتيال هي مجموعة تنتمي إلى أحد الفصائل الفلسطينية، تحمل جوازات سفر لإحدى الدول العربية.
هز حادث الاغتيال أهل الكويت بأسرهم، وكان محل اهتمام القيادة السياسية, ومتابعة هامة وفاعلة للتحقيق في الحادث من جهة، ومتابعة سرعة نقل جثمان الفقيد إلى البلاد من جهة أخرى، ورغبة في اختصار الوقت والمسافة فقد قمت بالاتصال بالجنرال “دود” قائد القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة في قبرص، وكنت قد تعرفت عليه في وقت سابق، وطلبت منه المساعدة بنقل الجثمان من مدينة ليماسول إلى مطار لارنكا عبر المنطقة العازلة التي تفصل بين الجانبين التركي واليوناني في قبرص المقسمة، وقد تفضل بالموافقة وقام بتكليف سيارتين عسكريتين لمرافقتنا من مستشفى ليماسول إلى مطار لارنكا، حيث كانت في الانتظار طائرة كويتية تابعة للخطوط الجوية الكويتية قد أمر بإرسالها سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدلله السالم الصباح، طيب الله ثراه، لنقل الجثمان.
رحم الله العم الفاضل محمد جاسم المضف وأسكنه فسيح جنانه وتقبله شهيداً بإذن الله.
من مزايا العمل في قبرص خلال صيفي عام 1984 وعام 1986 أن تعرفت على نخبة من رجالات الكويت الذين نعتز بهم، ويسعد الخاطر بذكراهم، وقد قام بعضهم بفتح الديوانيات كالعادة في الوطن، وأذكر منهم ديوانية السريع والمهنا والمرشد والشايع وغيرهم، وكم كنت أسعد بلقائهم والحديث معهم.
بعد انتهاء فترة الصيف طلبت الوزارة وقف عمل القنصلية وإنهاء عقد الإيجار، وبناء عليه استأذنت الوزارة للحضور للبلاد، حيث التقيت راشد عبدالعزيز الراشد الذي كان يشغل وقتها منصب وكيل وزارة الخارجية، وقد بينت له وجهة نظري في الإبقاء على القنصلية للصيف القادم نظراً لمعرفة المواطنين بعنوان القنصلية وأرقام الهاتف والفاكس، إضافة إلى أن مكتب التأجير المسؤول عن عقد الإيجار يقع مقابل القنصلية، ويمكن تكليفه بالإشراف على التنظيف وغيرها، وذلك بعد وقف جميع خطوط الهاتف والفاكس ونقل جميع المكاتبات إلى السفارة في اليونان، علما أن الإيجار السنوي لا يتجاوز ألفي دينار.
وقد اقتنع الراشد بوجهة النظر هذه وطلب مني العودة إلى قبرص لتجديد العقد، فاستمرت القنصلية طوال فترات الصيف حتى تم افتتاح السفارة الحالية، وتبقى مدينة ليماسول محطة من محطات الحياة الدبلوماسية وخطوة من الألف ميل التي نحاول سرد بعضها رغبة في توثيق أحداثها.
***
شكر وتقدير للدكتور فاضل صفر وزير الأشغال العامة وذلك نظرا لما يبذله من جهد مشكور بتفان وإخلاص سيترك بصماته في مسيرة هذا الوطن العزيز، ولنا طلب نرجو أن يلقى القبول ألا وهو الاهتمام بإنهاء عقدة دوار البدع، وانتهاء مشكلتي نادي اليرموك ومشروع شوبيز والبنية التحتية لبعض المناطق.
حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق