خليل حيدر: 19 مليار دولار.. على الطريق

قد تُبتلى بحادث سيارة أو اكثر في الكويت، قبل ان تبت شركة التأمين في دفع تعويضات الحادث الاول. وكلما ازدادت الاطراف المتورطة في القضية المرورية، او ازدادت التعقيدات الاخرى، طال ربما وقت الانتظار.
ولكن لا تعقيدات تحقيق المخافر، ولا تمنع شركات التأمين، ولا تأخر استلام تكاليف تصليح السيارة، ولا أي عامل مادي أو معنوي آخر، قادر على اقناع «سواق الجحيم» في شوارع الكويت بمراعاة قواعد المرور، وعدم تهديد حياة الناس الآخرين وحياة من مع السائق المتهور الى جانبه، وبالطبع حياة السائق نفسه.
تطرح السرعة في الكويت سؤالا فلسفيا لم يجب عنه احد حتى الآن، فلماذا يقود شخص مرفه عاطل لا يكاد يعمل ولا يعاني تقريبا من أي منغص، سيارته بهذه السرعة الجنونية؟
هناك ربما سؤالان آخران لا يقلان الحاحا: لماذا لا يؤثر التعليم الثانوي وما قبله وحتى الدراسة الجامعية في اقناعه باحترام الآخرين، وحقهم في ان يعودوا الى منازلهم واهلهم واولادهم سالمين؟
ولماذا لا يلعب الدين والتعبد والمسجد والالتزام أي دور ملموس في صرف الشباب عن تحويل سياراتهم الى قذائف صاروخية.. في شوارع الكويت؟
ثم هل حقا يتوسط بعض نواب المجلس او غيرهم من المتنفذين لاخراج من يدخل التوقيف والمخفر منهم؟ ولماذا لا يحاسب أحد هؤلاء رغم اعداد المتوفين والمشوهين والعاجزين عن السير وحتى عن الجلوس؟!
كتبت صحافية فرنسية مقالا في «اللوموند» حول ظاهرة السباق مع الوقت في بلدان اوروبا والغرب، بعنوان «مجتمعات مريضة بالسرعة»، وقد تناولت فيه تأثير الحياة الحديثة ووتيرة الانتاج والتنافس الاقتصادي على رجال ونساء وأسر الغرب والمجتمعات المتقدمة، وكان الاولى بها ان تفرد الكويت بفيروس خطير خاص، ضمن المجتمعات المريضة حقا بالسرعة!
لماذا تزداد سرعتنا في القيادة كلما قل انتاجنا، وكثر تمارضنا وغيابنا عن العمل، وتضاعفت اجازاتنا الرسمية والطارئة والمرضية والخاصة والعامة، حتى باتت حياتنا اجازة في اجازة!
لماذا نسرع حقا ونحن، كما يقال، نمتلك كل زمن الدنيا؟ وما الشأن الخطير، الذي يسابق هذا الشاب الريح وجند النبي سليمان من الانس والجن من اجله بسيارته، الفخمة الضخمة المنطلقة بسرعة البرق بين أرتال سيارات سائر الناس؟
دول الخليج تخسر نحو 19 مليار دولار سنويا بسبب حوادث الطرق، و«الآثار الاجتماعية لهذه الحوادث اكبر واضخم»، كما تقول صحيفة الشرق الاوسط 2012/11/23، حوادث هذه الدول لم تعد شأنا خليجيا بحتا، فقد حث مسؤول في شبكة المرور الاوروبية الحكومات الخليجية وهيئات الشرطة العاملة فيها على «اتخاذ قوانين صارمة اذا ما ارادت بالفعل خفض العدد الكبير في وفيات الحوادث المرورية وتعزيز السلامة على الطرقات في المنطقة». نصيحة «باسي كيمباينين» هذه، وهو الرئيس السابق لشبكة شرطة المرور الاوروبية، وكبير المراقبين في الشرطة الوطنية للمرور في فنلندا، جاءت في كلمته خلال مؤتمر مروري في مركز ابوظبي للمعارض، حيث اشار كذلك الى «المشروع الاوروبي لحماية الارواح»، الذي يجمع تحت سقفه 29 دولة اوروبية، اتحدت جميعها لتحقيق غاية واحدة، وهي حماية الارواح على الطرقات الاوروبية، حيث يهدف لخفض اعداد وفيات الطرق حتى النصف بحلول عام 2020، واقترح كبير المراقبين في الشرطة الفنلندية قيام مشروع مشابه في بلدان دول مجلس التعاون، بعد ان خفض المشروع اعداد الوفيات في الحوادث المرورية بالمجر بنسبة %26 و%28 في بولندا و%20 في اسبانيا.
ولا يزعم احد ان كل سائق اوروبي حكيم، وان لا احد هناك يقود مركبته تحت تأثير المسكرات والمخدرات، ولكن التنافس الانتاجي في اوروبا شديد القسوة، والقوم هناك في صراع مع امريكا واليابان والصين والهند، والوقت لديهم من ذهب ويورو ودولار.. ولكن ما موقع سواق التهور والجنون في شوارعنا.. من الانتاج!

خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.