هناك أخطاء ارتكبت خلال الفترة الماضية يتحمل الجزء الأول منها الحكومة، فيما يتحمل الجزء الأكبر نواب ما يسمى بالأغلبية البرلمانية، وتهرب الطرفين وإلقاء كل منهما المسؤولية على الآخر لا يغير من حقيقة الأمر شيئا، فالأخطاء ارتكبت وكان هناك خروج على النص الدستوري، وإذا كان هناك من يتهم الحكومة بالعناد فهو أيضا لديه حصته من ذلك العناد ويجب أن يقر بذلك.
الشعارات التي رفعت خلال الفترة الماضية لم تكن موفقة، حتى تلك التي تدعي الحفاظ على الدستور، وقد مررنا بمرحلة تجاوز فيها كل طرف النص الدستوري من خلال ليّ تلك النصوص لتتوافق مع مواقفه، وهو أمر لا يتسق مع الحس الدستوري الصحيح، والمسؤولية البرلمانية المفترضة، وكانت الأزمات المتكررة هي السائدة على الساحة السياسية.
هناك 40 بالمئة من المواطنين صوتوا لأعضاء المجلس الحالي، في بلد كانت النسبة فيه خلال السنوات الماضية لا تتجاوز 58 بالمئة، وتلك الحقيقة لا يتجاوزها إلا مغرض، وهناك على الأقل نصف تلك النسبة لم يشارك في تلك الانتخابات، وتلك حقيقة لا يمكن أيضا تجاوزها، كما أن هناك ثلاث قبائل كبرى قاطعت الانتخابات هي قبائل العوازم ومطير والعجمان، وهناك ثلاثة تيارات رئيسية قاطعت الانتخابات أيضا، وهي المنبر الديمقراطي، والتحالف الوطني الديمقراطي، والحركة الدستورية الإسلامية، وتلك حقائق أيضا لا يمكن القفز عليها.
يفترض ألا يستمر حوار الطرشان، ذلك الذي يخيم على الساحة حاليا طويلا، وينبغي أن تهدأ النفوس ويشرع الجميع في البحث عن حل وسط يتجاوز المرحلة الماضية بكل تفاصيلها، ويؤسس لتفاهم وطني جديد يضمن استمرارية التجربة الديمقراطية كما هي الآن، وربما يفتح آفاقا جديدة لتطويرها بدلا من الحالة السائدة، وفي هذا الوضع يتحمل الجميع المسؤولية وليس هناك من استثناءات.
ما يسمى بالأغلبية البرلمانية أخفقت في إقناع الآخرين بمطالبها لأسباب بنيوية تتعلق بمصداقية بنيتها، وكان هناك إعراض محدود عن العملية الانتخابية، ربما ليس له علاقة البتة بدور تلك الأغلبية، وهو ما ظهر ببعض المقاربات الشعبية، كما أخفقت الحكومة في إقناع نسبة لا بأس بها من المواطنين بمصداقية موقفها، وحرصها على الحفاظ على الأوضاع الداخلية، حتى لا تكون نهبا لغياب الوعي الوطني، وهما أمران يحملان للطرفين المسؤولين عن الحراك السياسي في البلاد.
صحيح أن التجربة الديمقراطية الكويتية ليست ناضجة بالقدر الذي تفرضه تلك السنوات الطوال من العمل البرلماني، وهذا أمر آخر تتحمله الحكومات المتعاقبة التي كانت تهاب تطوير الحياة السياسية والبرلمانية، تحت ضغط مبررات غير حقيقية، لكن ذلك لا يعني التوقف «مشدوهين» أمام الجمود السياسي الحالي، بل يفترض بنا أن نناور من أجل تجاوزه بأقل الخسائر الممكنة، وهذا أمر يمكن تحقيقه.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق