«ما دخل الاطفال بخلاف انتخابي». عنوان مقال الامس لم يكن في الواقع سؤالا بقدر ما كان تقريرا لواقع. فهؤلاء الاطفال او الشباب لم يحركوا سياسيا ولم يوجهوا لتحقيق مطالب سياسية واضحة ومحددة، بل تم شحنهم طائفيا وفئويا طوال السنوات السابقة باعتبارهم «بدوا» منبوذين من السلطة والنظام الذي يفضل عليهم «الاجانب» من الفرس والصفويين او «عيال بطنها» من ابناء داخل السور. وربما ابلغ دليل على ذاك هو ان «عيال بطنها» مصطلح قبلي وليس حضرياً، فالحضري عادة يشير لنفسه على انه ولد الديرة او من «هل السور». اما بطنها وظهرها فهذه مصطلحات قبلية ليس للكويتي الحضري علاقة بها.
لقد بدأ الشحن مقصودا منذ تجمع الاندلس ثم العقيلة، وبعد ضمان مشاركة «اذكياء» القوى الوطنية – الدكتور الخطيب، النيباري، الفضالة، احمد الديين – تم تحويل التجمعات الى ساحة الارادة ومن ثم «تسييس» او اضفاء الصفة الوطنية الشعبية على الحراك، الذي لم يسلم بالطبع من استغلال «الاخوان» له وتحويل القيادة والامامة الصورية فيه الى الطبطبائي، بينما الواقع انه ظل حراكا قبليا صرفا اشرت اليه اكثر من مرة على انه تجمع ناخبي مسلم البراك وليس حراكا سياسيا قبل ان يفطن البعض الى «اجتماعيته» هذه الايام.
لقد شحن البعض اغلب ابناء أخواننا القبائل ضد النظام، مستغلا اخطاء حكومية ضخمها او سياسات اصلاحية حورها، او هفوات اعلامية بالغ فيها، وقد وجد هنا الكثير من الخطايا الحكومية والاجتماعية يستغلها وينفخ فيها. كل شيء اصبح، بقدرة قادر، موجهاً للتضييق على ابناء القبائل، الخصخصة ضد ابناء القبائل، رفض اسقاط القروض ضد ابناء القبائل، الحزم في التصدي للانتخابات الفرعية يستقصد القبائل، ازالة التعديات على املاك الدولة اعتبروه تعدياً على املاكهم. حتى رفع نسب القبول في الجامعة تم تجييره في الحرب ضد الحكومة!
في مثل هذا الجو المشحون ضد «الدولة» نشأ اطفال الحجارة وتجرعوا كراهية مؤسساتها وممثليها. لهذا، فانهم اليوم يفرغون كل هذا الشحن للتصدي والمواجهة مع الدولة او القوات الخاصة. والمؤسف انه بدلا من ان «تكبر» راسها حكومتنا، وتتركهم يمارسون حقهم الطبيعي والدستوري في التعبير فانها حطت حالها بحالهم وبلعت طعم المواجهة غير المتكافئة وغير الضرورية.
سهل جدا الوصول الى ان هؤلاء الشباب او الاطفال مغرر بهم، لكن صعبا ان نتلمس انهم كانوا وما زالوا مهيئين نفسيا لتقبله لانهم يعانون انواعا من الحرمان وبعضا من التجاهل الذي ربما لم تتعمده الدولة، ولكنها لم تنتبه اليه بعد. ان هناك ارضية حقيقية لهذا الغضب تجاه الدولة وهذا الرفض لسيادة القانون. على الحكومة ان تدرس الوضع جيدا وان تعمل على احتواء غضب الشباب الحقيقي وليس المفتعل فهم يبقون في النهاية شباب الكويت وليس اطفال الحجارة.
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق