هشام الصالح: لجنة التحقيق بالإيداعات مخالفة للدستور والقانون واللائحة الداخلية


أكد المستشار القانوني والدستوري د.هشام الصالح عدم دستورية تشكيل لجنة تحقيق بالايداعات المليونية في مجلس الأمة ومخالفتها لعدة قواعد وأحكام دستورية وذلك لعدة أسباب من بينها ان الموضوع معروض أمام القضاء ومخالفة النطاق الدستوري لاختصاص لجان التحقيق ومخالفة قرارات المحكمة الدستورية ومخالفة لجان التحقيق للائحة الداخلية لمجلس الأمة.
وأوضح الصالح في دراسة أصدرها بهذا الخصوص ان هناك أيضا مخالفات أخرى عديدة تتمثل في عدم الزامية الحضور والمثول أمام لجان التحقيق وعدم الزامية أداء اليمين وامكانية المساءلة الجنائية وكذلك عدم جواز استدعاء المواطن العادي لأداء الشهادة، لافتا الى مخالفتها أيضا تشكيل اللجنة لقواعد وأحكام اللائحة وضرورة ان تحاط اجتماعات اللجنة بالسرية التامة حفاظا على مصلحة التحقيق ودرءا للتشهير الذي قد يضر بالأفراد. وفيما يلي نص الدراسة:
أثار تشكيل لجان التحقيق في مجلس الأمة أخيرا لغطاً وحالة من النقاش السياسي والقانوني حول مدى دستوريتها ونطاق اختصاصها وصلاحيتها.
وما أسهل الاعتكاف عن المشاركة وبيان الرأي القانوني والدستوري في تلك الوقائع ولكن الواجب الوطني يفرض علينا باعتبار التخصص في القانون الدستوري واجب لا مفر لنا منه من التصدي له مهما كانت النتائج وحجم الخصومة السياسية التي قد تنتج عنها فاننا وفي الله وفي الوطن لا نخاف لومة لائم.
بادئ ذي بدء لابد وان نشير الى أننا وبصدد مناقشة مدى دستورية وشرعية لجنة التحقيق في قضية الايداعات المليونية الى أهمية مكافحة الفساد وذلك صونا للعمل البرلماني من الوقوع في مواطن الزلل والشبهات وحماية للأمة في تمثيلها النزيه وحرية ارادة النائب والنأي به عن الانجراف وراء الأهواء والمصالح الشخصية وان كنا نتدارك القول بأن المنظومة القانونية هي التي تعاني من خلل حقيقي على نحو ما سيتضح من خلال دراستنا هذه وبما يستدعي التحرك الفعلي باتجاه استكمال الأنظمة القانونية لمكافحة الفساد والتنظيم القانوني واللائحي السليم بخصوص عمل وتشكيل لجان التحقيق.
والبداية تقتضي منا الاشارة الى ان الدستور له السمو والعلو على ما عداه فهو الذي يشيد بنيان الدولة وهو منبع لكل نشاط وعمل قانوني فيها وهو الذي يمنع أي سلطة من ممارسة اختصاصات غير الاختصاصات التي حددها الدستور.
ومقتضى سمو الدستور ان يعلو كل ما عداه من قوانين وأعمال وعلى نحو يمنع أي سلطة عامة من ممارسة اختصاصات غير الاختصاصات التي قررها الدستور وفقا للشروط والضوابط التي نظمها فهو الذي يخلق النظام القانوني في الدولة وهو الذي يحد اختصاص كل سلطة من السلطات العامة التي ينشئها لذلك تخضع هذه السلطات جميعها للدستور التي أوجدها وحدد اختصاصها بين كيفية تكوينها.
ولا يجوز لأي سلطة ان تقوم بأي تصرف مخالف للدستور البلاد فهذا المبدأ يفرض على الجميع احترام أحكام الدستور والقانون واللائحة احتراما لمبدأ المشروعية ومبدأ سيادة القانون بحيث يفترض هذا المبدأ سيطرة أحكام الدستور والقانون على كافة الأعمال والتصرفات.
يقول الفقيه (بيردو) ان القانون وهو التعبير مجرد أكرم للمرء من الخضوع لارادة فرد أو أفراد فارادة الفرد بطبيعتها متغيرة وفقا للمصالح أما القانون فهو تعبير عما يشير به العقل وهو الثابت والمتجرد والعام.
والحقيقة ان تغيير أعضاء سلطة يفترض عدم تغيير القواعد والأصول المحددة في الدستور والقانون واللائحة والا فلا وجود للدولة.
فالدستور يأتي في قمة النشاطات التي تتم في الدولة وحسب رأي الفقيه (بيردو) يتمتع بسمو لا مجال لنقاشه.
ولا يخفى دور ووظيفة لجان التحقيق الكبير بالنظر الى أنها أداة من أدوات الرقابة البرلمانية التي يملكها مجلس الأمة والتي من خلالها يمكن استيضاح بعض الموضوعات الوقوف على مكامن الخلل الحكومي والاداري في الدولة ومدى صحة وقوع بعض الوقائع بقصد الاستنارة والتي لا يشترط ان تكون محددة سلفا بل يكفي بأن يكون هناك الشك.
وفي صدد تشكيل لجان مجلس الأخيرة فقد استوقفتنا عدة شبهات دستورية وقانونية ولائحية ومواطن خلل أفضت الى القول بعدم دستورية وشرعية تلك اللجان وذلك على النحو التالي:
أولا: مخالفتها للدستور
وجب على السلطة ألا تمارس اختصاصاتها الا وفق قواعد وأصول محددة فعندما يبين الدستور ويحدد طرق ممارسة السلطة ويضع الضوابط والأطر يعني وجوب التقيد بها تحت طائلة عدم المشروعية فالدستور يعلو على من يمارس السلطة ويعلو بالتالي على كل القواعد التي يضعها من يمارس السلطة لذلك كل نشاط يتم لابد وان يجد أساسه في الدستور وهو ما يكفل ممارستها بعيداً عن النزوات ومن انعكاس العوامل السياسية والاجتماعية على تشكيل أي سلطة وبما يكفل الحقوق والحريات وسيادة ووجود الدولة القانونية.
وهنا نشير الى مخالفة تشكيل اللجان لعدة قواعد وأحكام دستورية وهي على النحو التالي:

1- موضوع لجنة التحقيق معروض أمام القضاء
لا يجوز تشكيل لجنة تحقيق أو الاستمرار في لجنة تحقيق بوقائع أو مواضيع معينة معروضة أمام القضاء بمعنى ان يتزامنان في وقت واحد اذ يعتبر ذلك تداخلاً بين السلطات واخلالاً بمبدأ الفصل بينها وعلى لجنة التحقيق ان تنهي عملها احتراما لهذا المبدأ والاكتفاء بقيام السلطة القضائية بدورها على الرغم مما قد يحمله ذلك من حرج سياسي لأعضاء مجلس الأمة ظنا منهم بان ذلك يعتبر تخليهم عن الدور السياسي لأعضاء المجلس خاصة أمام الرأي العام وهو قول يفتقر الى الصحة اذ ان احترام الدستور وقواعده وأحكامه أوجب احتراماً لقسم النواب وفقا للمادة(91) من الدستور وتحقيقا للدولة القانونية وكفالة للحق والحقيقة.
وعلى هذا لا يجوز اشتراك التحقيقين القضائي والبرلماني في وقائع معينة ونوجز الأسانيد الدستورية في مخالفة تشكيل لجنة الايداعات ومخالفاتها لمبدأ الفصل بين السلطات الى الآتي:
أ- استقرت التقاليد البرلمانية والفقه الدستوري على وجوب انهاء لجنة التحقيق البرلمانية في حال وجود لجان تحقيق قضائية وكون الأمر معروض أمام القضاء احتراما لمبدأ الفصل بين السلطات والذي يعتبر الركيزة الأساسية التي يقوم عليها الدستور الكويتي والنظام البرلماني.
فيجب ألا يتضمن التحقيق البرلماني اعتداء على اختصاص القضاء فلا ينبغي لها ان تتناول بالتحقيق أمرا مطروحا على القضاء ولا تتخذ أي قرار بما لها من سلطة وقرارات ولا ان تتعرض لعمل من أعمال هذه الأخيرة بالنقص أو التعديل اذ يعتبر ذلك تدخلا في اختصاص السلطة القضائية.
ب- تشير الوقائع في النظم البرلمانية العريقة الى احترامها لهذا المبدأ فقد حدث وان شكل البرلمان الفرنسي لجنة تحقيق في فضيحة (بناما) في أواخر القرن الماضي وهو الموضوع الذي كان محل نظر القضاء الأمر الذي رفضه فقهاء القانون آنذاك ليكون منذ ذلك الوقت أنه من غير جائز اطلاقا تشكيل لجنة تحقيق برلمانية في أمر معروض أمام القضاء.
ج- ان الشواهد السابقة في الكويت تؤكد هذا المبدأ ووجوب احترامه اذ يذكر ان قام مجلس الأمة خلال الفصل التشريعي السابع بتكليف لجنة الشؤون التشريعية والقانونية بتحري الحقيقة في الملابسات التي أحاطت بالواقعة المنسوبة الى العضو احمد نصار الشريعان ومتابعتها واستجلائها وكشفها الا ان الحكومة عارضت اجراء هذا التحقيق احتراما لمبدأ الفصل بين السلطات وهو ما استجاب له المجلس بناء على توصية اللجنة التشريعية الذي انتهى الى عدم جواز تشكيل لجنة التحقيق في موضوع معروض على القضاء أو أحيل الى النيابة العامة مما أدى الى عدم تشكيل تلك اللجنة.
د- ان هذا المبدأ محترم أمام لجنة الشكاوى والتي لا يجوز لها النظر في موضوع معروض أمام القضاء وهو ما جرى عليه العمل احتراما وتطبيقا للقاعدة الدستورية والتي توجب الفصل بين السلطات وتمنع أي عضو في التدخل في عمل السلطة التنفيذية أو القضائية.
و- وقد نحسم بصحة هذا الرأي بالاشارة الى اقرار أعضاء مجلس الأمة ذاتهم من مقدمي الاقتراح تشكيل لجنة التحقيق فقد أشار الطلب الخاص بتشكيل لجنة تحقيق والتي قدمت في جلسة 2012/2/28 الى وجوب احترام هذا المبدأ ومراعاته بقولهم في الصفحة الثانية منه الى ان (وهي شبهات غير معروضة أمام القضاء أو جهات التحقيق بما يجوز معه دستوريا تصدي مجلس الأمة للموضوع).
وقد حمل الطلب توقيع 22 نائبا وهو ما يشير الى علمهم اليقيني بهذا المبدأ الدستوري ووجوب مراعاته حيث أشاروا اليه وباعتباره قيداً دستوريا مهما يجب مراعاته والتزام به.
وحيث ان الموضوع كان غير موضوع أثناء طلب تشكيل اللجنة وأن الموضوع حاليا معروض أمام القضاء فانه يجب التسليم بوجوب انهاء لجنة التحقيق البرلمانية التي شكلت من اجل هذا الموضوع.

2 – مخالفة النطاق الدستوري لاختصاص لجان التحقيق
ورد في نص اقتراح طلب تشكيل لجنة تحقيق في الصفحة الثالثة بخصوص موضوع التحقيق أنه (وبصفة عامة التحقيق فيما اذا كان من بين أعضاء مجلس الأمة في الفصل التشريعي الثالث عشر من قد حصل على أي منفعة من أي نوع ومن أي جهة أو شخص وذلك كله مقابل مواقف سياسية أو قرارات اتخذها خلال عضويته في المجلس في التصويت على مشروعات أو اقتراحات بقوانين أو مناقشة استجوابات…. ).
ونلاحظ هنا ان لجنة التحقيق مشكلة للرقابة على أعضاء السلطة التشريعية أنفسهم في تقاضيهم لمبالغ من أي شخص أو جهة وهنا نجد أنها مخالفة دستورية أخرى على الرغم من ايماننا بضرورة مكافحة مثل تلك الممارسات ان صحت ولكن لا يكون ذلك من خلال اطر غير دستورية أو قانونية بل من خلال تشريعات وأدوات قانونية ودستورية منضبطة لا تخضع للأهواء والرغبات السياسية.
والحقيقة انه لم يذهب أي من الفقه الدستوري الى جواز تقرير وفرض رقابة النواب على بعضهم البعض لا من ناحية السؤال البرلماني ولا الاستجواب ولا التحقيق.
فلم يكن هدف لجان التحقيق في أي برلمان الرقابة على السلطة التشريعية أو القضائية بل انها وسيلة من وسائل الرقابة السياسية على أعمال السلطة التنفيذية للتأكد عما اذا كان ثمة تصرفات مشبوهة تستتبع مسؤولية الوزارة السياسية.
وكان الدستور المصري أكثر توفيقا في التعبير عن المعنى اذ نص في المادة (131) من الدستور على انه (لمجلس الشعب ان يكون لجنة خاصة أو يكلف لجنة من لجانه بفحص احدى المصالح الادارية أو المؤسسات العامة أو أي جهاز تنفيذي أو اداري أي مشروع من المشروعات العامة وذلك من اجل تقصي الحقائق).
وفي ذلك يقول الفقيه (ديجي) «ان التحقيق البرلماني لا يصح ان يقع الا على كيفية سير مرفق عام يخضع للسلطة التنفيذية ودون ان يتدخل فيه وسيره والسبب في ذلك ان حق اجراء لجان التحقيق متفرع عن حق البرلمان في الرقابة ومن ثم لا يصح ان يتعدى هذا الحق الأخير فالبرلمان يراقب أعمال الأداة الحكومية ورقابته قد تصل الى حد تحريك المسؤولية الوزارية واسقاط الوزارة فهو في حقيقته تحقيق سياسي تقتصر ولاية اجرائه على تصرفات وأعمال أجهزة السلطة التنفيذية وبحيث لا يمتد الى السلطة التشريعية ولا القضائية ولا حتى الى الأفراد العاديين».
وبذلك فان لجان التحقيق تتخذ صورة شكل من أشكال الرقابة على الحكومة ومحاسبتها وتكمن أهميتها في تشكلها هي الوقوف على عيوب الجهاز الحكومي والاداري في الدولة ومراجعة أعمالها واقتراح أفضل السبل لمعالجتها وتطويرها واصلاحها.
ومن المسلم به ان لمجلس الأمة حق تأليف لجان تحقيق في أي أمر من الأمور الداخلة في اختصاصه طبقا لحكم المادة (114) من الدستور وبما يعني حق المجلس في التشريع والرقابة على أعمال الحكومة فقط دون ان يمتد الى الرقابة على أعضاء المجلس أو السلطة القضائية أو الأفراد العاديين.
مع ملاحظة ان اقتراح تشكيل لجنة تحقيق قد خلا الى ما يشير الى اختصاصه بالبحث لاستكمال أوجه القصور التنظيم القانوني وهو ما سيترتب عليه لو كان اختصاصه بتشكيل هذه اللجنة وان استوجب ان يكون البحث في هذا الاتجاه ومن هذه الجوانب فقط.
وبأي حال من الأحوال لا اختصاص للمجلس في الرقابة على أداء أعضائه وفي ارتكابهم للجرائم ان صحت وكذلك لم تكن أداة التحقيق البرلمانية أداة للاغتيال السياسي أو أداة لمهاجمة أو تشويه الأقليات البرلمانية.

3- مخالفة قرارات المحكمة الدستورية
ورد في طلب مقترح طلب لجنة التحقيق التي وافق عليها المجلس ان (لها طلب أي أوراق ذات صلة بموضوع التحقيق من الجهات الحكومية في جميع وزارات الدولة ومؤسساتها بلا استثناء) وفي هذا الاطلاق مخالفة لقرار المحكمة الدستورية رقم 86/1 والتي ذهبت بقولها الى ان (غير انه يستثنى من الأعمال المصرفية ما يتعلق منها بذمة المالية لعملاء البنوك ذلك ان نشر ما يتعلق بالذمة المالية لأحد الأشخاص انما يعتبر من قبيل المساس بالحق في الحياة الخاصة بما لا يجوز معه الكشف عن عناصرها واشاعة أسرارها التي يحرص عليها الفرد في المجتمع بما ينبغي معه حماية هذا السر (الذمة المالية) تأكيدا للحرية الشخصية ورعاية لمصلحة الجماعية من اجل تدعيم الائتمان العام باعتباره مصلحة اقتصادية عليا للدولة بما يصح معه القول ان التعرض لعناصر الذمة المالية للفرد فيه مساس بحقه في الخصوصية وهو حق يحميه الدستور).
وباستقراء قرار المحكمة الدستورية آنف الذكر يتضح لنا ان حق لجان التحقيق طلب المستندات والأوراق والاطلاع عليها ليس حقاً مطلقاً دون قيد أو استثناء على خلاف ما ورد في نص اقتراح تشكيل لجنة التحقيق في قضية الايداعات من الادعاء بوجود حق مطلق غير مقيد ودون استثناء!
وبذلك تكون عبارة (كل ما تراه موصلا للحقيقة) ضمن الحدود المسموح بها وطبقا لما تقتضي به نصوص الدستور والقوانين المعمول بها في الدولة دونما تجاوز أو تعد أو تعسف مع التسليم بضرورة تمكين لجان التحقيق من القيام بمهمتها والوقوف على سير الجهاز الحكومي بأن يطال أعمالا صادرة من السلطة التنفيذية صادرة في أي فترة معقولة من الزمن.

ثانيا: مخالفة القوانين
جاء في طلب اقتراح تشكيل اللجنة والتي وافق عليها المجلس ان (للجنة التحقيق ان تطلب من رئيس المجلس مخاطبة وزير العديل لرفع الدعوى العمومية طبقا لقانوني الجزاء والاجراءات والمحاكمات الجزائية بحق من يمتنع من الشهود الذين تطلبهم اللجنة عن الحضور أو عن الاجابة على أسئلة اللجنة أو من يشهد بغير الحق وذلك وفقا للائحة مجلس الأمة).
وحيث ان الدستور الكويتي ينص في مادته(32) على ان (لا جريمة ولا عقوبة الا بناء على قانون..).
وهو ما رددته المادة(1) من قانون الجزاء16 لسنة 1960 على ان (لا يعد الفعل جريمة، ولا يجوز توقيع عقوبة من أجله، الا بناء على نص في القانون).
ومن هنا فان الأمر يقتضي بيان عدد من الجوانب الهامة وعلى النحو التالي:

1 – عدم الزامية الحضور والمثول أمام لجان التحقيق
لجان التحقيق بقصد استيفاء المجلس المعومات بنفسه عن طريق الاتصال المباشر بالمصدر الأساسي لهذه المعلومات وصولا للحقائق مع ذلك فانه ووفقا لقانون الجزاء الكويتي.
وبذلك فلا عقوبة ولا جريمة على عدم الامتثال بالحضور أمام لجنة التحقيق والقول بغير ذلك يفتقر الى السند القانوني السليم.
فالامتناع عن تأدية الشهادة نظمتها المواد (142-140) حيث جاءت نص المادة (140) لتنص على (كل شخص كلف بأداء الشهادة أمام القضاء فامتنع بغير عذر مقبول عن الحضور يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة شهور وبغرامة لا تجاوز خمسمائة دينار أو باحدى هاتين العقوبتين).
وهنا نلاحظ ان النص أشار الى وجوب ان يكون الامتناع عن أداء الشهادة أمام القضاء لاعمال النص ولا يمكن اعمال تلك المادة بخصوص الامتناع عن الحضور وأداء الشهادة أمام لجان التحقيق مع ملاحظة انه لا يجوز التوسع في تفسير قوانين الجزاء.
كما ان المادة (142) تنص على (كل شخص كلف طبقا للاجراءات التي يحددها القانون بالحضور لدى موظف ذي اختصاص قضائي فامتنع دون عذر مقبول يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر وبغرامة لا تجاوز ثلاثمائة دينار أو باحدى هاتين العقوبتين).
ونلاحظ من خلال هذا النص عبارة (موظف ذي اختصاص قضائي) وغني عن البيان ان اعضاء مجلس الأمة لا يعدون موظفين ذي اختصاص قضائي بل برلمانيين سياسيين وبالتالي لا يمكن اعمال هذا النص أيضا أمام الممتنع عن الحضور والامتثال وأداء الشهادة أمام لجان التحقيق.
وباستقراء جميع نصوص الجزاء وقانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية نرى انه لا وجود لنص يجرم عدم الحضور والامتثال الى اللجان مجلس الأمة أو لجان التحقيق وبذلك فانها لا تشكل أي جريمة من الجرائم احتراما لمبدأ الشرعية والدستور والقانون.
بل نرى ان الحضور والمثول امام تلك اللجان غير دستورية والقانونية قد تكون بمثابة المشاركة مع المجلس في انتهاك الدستور ومخالفة القانون.

2- عدم الزامية أداء اليمين وامكانية المساءلة الجنائية
كذلك لو الشاهد حضر ومثل أمام لجنة التحقيق بناء على استدعائه في مجلس الأمة فهو في الواقع لا يعتبر ماثلا أمام هيئة قضائية تلزمه بأن يحلف اليمين بل أمام هيئة سياسية برلمانية منتخبة غير ملزم بأداء اليمين وعلى خلاف بعض الدول التي تقوم بالزام الشاهد والماثل أمامها بأداء اليمين ومنها الولايات المتحدة وفرنسا ومصر.
وعلى ذلك لا تملك لجان التحقيق البرلمانية عند البدء بالاستماع للشهود حق تحليف الشهود وأدائهم اليمين وفق الدستور والقوانين الكويتية فلا يوجد نص دستوري أو قانوني يلزم الشهود بالقسم يمينا أمام لجنة التحقيق لأن وجوب اليمين على الشهود تكون أمام الجهات القضائية فقط وعلى ذلك فانه لا يكون هناك محل لتطبيق نص المادة (139) من قانون الجزاء والتي تنص (كل شخص كلف بأداء الشهادة أمام جهة قضائية واقسم يمينا بالتزام الحقيقة فأدلى ببيانات كاذبة وهو يعلم عدم صحتها يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تجاوز ألف روبية أو باحدى هاتين العقوبتين).
وحيث ان لجنة التحقيق في مجلس الأمة لا تملك الزام الأشهاد بأداء الشهادة فلا ممدوحة من التسليم بعدم وجود أي مساءلة جنائية عليه وان أدلى ببيانات كاذبة غير حقيقة على الرغم من ايماننا الشديد بأن على الشاهد ألا ينطق بغير الحق ولا يقول سوى الصدق ولا يخشى في الحق لومة لائم فلا شاهد عليه سوى الله وسيساءلون عن كتمان الشهادة والباس الحق بالباطل الا أننا وفي مقام قوانين الجزاء الحالية يجب التسليم بعدم امكانية مساءلتهم جنائيا وهو ما يشير الى القصور التنظيم القانوني الحالي.
في حين لو حضر الشاهد وأقسم يمينا أمام لجنة التحقيق البرلمانية وهي جهة غير قضائية فأدلى ببيانات كاذبة وهو يعلم عدم صحتها فانه تصح مساءلته جنائيا عن شهادة الزور وفق المادة(139) هذا بعد اتخاذ ومراعاة الاجراءات المنصوص عليها في المادة (9) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة.

3 – عدم جواز استدعاء المواطن العادي لأداء الشهادة
جاء في مقترح انشاء لجنة التحقيق في الصفحة الرابعة منه (وللجنة التحقيق في سبيل أداء مهمتها ان تستمع الى شهادة كل من ترى لزوم سماع شهادته).
والحقيقة ان هذه العبارة والتي جاءت بالاطلاق مخالفة للدستور في المادة 114 (ويجب على الوزراء وجميع موظفي الدولة تقديم الشهادات والوثائق والبيانات التي تطلب منهم) وللائحه مجلس الأمة في مادته (147) والتي تنص على (.. ويجب على الوزراء وجميع موظفي الدولة تقديم الشهادات والوثائق والبيانات التي تطلب منهم).
فلجان التحقيق لها الحق في استدعاء الموظفين في الجهات الحكومية دون ان تمتد الى غيرهم من المواطنين وهي بذلك ليس لها سلطة على موظفي الوزارة بل لها سلطة على الوزير الذي هو رئيس كل الموظفين التابعين لادارته فالوزير هو الذي يلزم موظفي وزارته بالامتثال والاجابة على أسئلة لجنة التحقيق البرلمانية تحت طائلة المسؤولية الادارية.
وهذا لا يعني أنه لا يملك أي شخص عادي غير موظف أداء شهادته بارادته الحرة فالعرف البرلماني يتيح للجنة التحقيق فرصة الدعوة غير الملزمة لأي شخص للادلاء بشهادته وسماع من ترى بضرورة سماعه.

ثالثا: مخالفة لجان التحقيق للائحة الداخلية لمجلس الأمة
لابد لكي تعمل اللجنة وتستمر بأداء عملها من ان تسير وفق اجراءات معينة تحقيقا للغاية والغرض المنشود منه كي تصل في النهاية الى تفعيلها كأداة هامة من أدوات الرقابة البرلمانية وفي اطار مدى توافق والتزام بتشكيل لجنة التحقيق في الايداعات المليونية نشير الى وقوع عدة مخالفات جسيمة بما تمثل مخالفة صارخة لأحكام اللائحة الداخلية لمجلس الامة وهي على النحو التالي:

1 – تشكيل اللجنة
نظمت المادة (147) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الشروط الشكلية في طلب تشكيل اللجنة ومنها ان يكون مكتوبا وموقعا من خمسة أعضاء على الأقل وأن يكون الموضوع محل التحقيق داخلا في اختصاصات المجلس الدستورية.
وقد تناولنا فيما سبق ان تشكيل لجنة التحقيق على أعضاء مجلس الأمة يخرج عن اختصاصات المجلس ولا تقع ضمن اختصاصاته.
وما يستوقفنا أيضا في توافر هذا الشرط هو وجوب التفرقة بين طلب تشكيل لجنة التحقيق وبين موافقة المجلس عليه وبين تحديد أعضائها فلكل منها قواعده وأحكامه الخاصة فما حدث من وقائع في تشكيل اللجنة وتحديد اعضائها هي سابقة خطيره ومخالفة للائحة.
فينبغي وفقا للائحة أنه اذا ما تقدم بعض الأعضاء في المجلس بطلب تشكيل لجنة التحقيق في أمر معين فان المجلس يقوم بالتصويت بالرفض أو الموافقة على تشكيل اللجنة ومن ثم يتم الانتقال بعد الموافقة الى تشكيل أعضائها سواء بالترشيح والانتخاب أو بالتزكية.
وما كان في لجنة التحقيق البرلمانية بخصوص قضية الايداعات هو ان شمل طلب تقديم تشكيل لجنة التحقيق على أسماء أعضائها وهو ما نراه مخالفة صريحة وجسيمة للائحة الداخلية لمجلس الأمة في المواد (45، 147) والتي نظمت طريقة وآلية تشكيل اللجان وحددتها بتقديم الطلب بشروط معينة ومن ثم موافقة المجلس على تشكيلها عن طريق التصويت على الاقتراح بطلب تشكيلها ومن ثم الانتقال الى مرحلة تحديد وتسمية أعضائها.
فطلب تشكيل اللجنة نظمتها المواد من (151-147) في حين ان تحديد وتشكيل اللجنة حددتها المواد (46-44).
وما حدث من وقائع في جلسة تشكيل هذه اللجنة ومن خلال البت في الطلب المقدم من بعض الأعضاء نجد ان المجلس قد دمج مراحل الطلب والموافقة والتشكيل بالمخالفة لأحكام وقواعد اللائحة الداخلية لمجلس الأمة.

2 – مخالفة تشكيل اللجنة لقواعد وأحكام اللائحة
تنص المادة (45) من اللائحة الداخلية على (ينتخب المجلس أعضاء اللجان بالأغلبية النسبية وينبغي ان يشترك كل عضو من أعضاء المجلس في لجنة على الأقل، ولا يجوز له الاشتراك في أكثر من لجنتين دائمتين ولا يعتبر مكتب المجلس لجنة في تطبيق هذا الحكم ولا يجوز للعضو ان يكون رئيسا أو مقررا لأكثر من لجنة دائمة واحدة، أو ان يكون رئيسا للجنة ومقررا للجنة أخرى وللعضو انتخاب عدد لا يجاوز نصف العدد المطلوب لكل لجنة والا اعتبر الرأي باطلا).
وبذلك اشترطت اللائحة ان يكون التصويت نسبيا بأن ينتخب كل نائب عدد لا يجاوز نصف العدد المطلوب للجنة التحقيق.
في حين ان طلب اقتراح لجنة التحقيق ورد في الصفحة الأخيرة منه تحديد أسماء أعضائها في مخالفة صارخة وجسمية للائحة بحيث احتوت على أسماء أعضائها الخمسة.
وقد قام المجلس بالتصويت على الموافقة على تشكيل اللجنة وتحديد اسمائها دون مراعاة لأحكام وقواعد اللائحة الداخلية للمجلس.
وهو الأمر المنافي للغاية والقصد من وراء تقرير اللائحة الداخلية لمجلس الأمة من تصويت كل عضو من المجلس على عدد لا يجاوز نصف المطلوب بغية عدم سيطرة اتجاه سياسي معين على تشكيلها ورغبة في حياديتها وتمثيلها لكل المجلس ومخالفة هذه المادة يجعلنا ننتهي الى عدم حياديتها وعدم شرعيتها.

3 – سرية أعمال اللجنة
حفاظا على مصلحة التحقيق ودرء لتشهير الذي قد يضر بالأفراد أو المساس الذي من الممكن ان يتعرض له الأشخاص الذين يتم التحقيق معهم أو من يتم استدعاؤهم مما يضر بأسمائهم وسمعتهم ويسئ الى أوضاعهم الأسرية والاجتماعية والمالية والسياسية ومحاولات قتل الشخصيات وحتى لا يتم التأثير والايحاء والضغط على الشهود من قبل الرأي العام وحتى لا يتم افساد الأدلة ناهيك عن غرسه لمفهوم وهو الأمر الذي يوجب ان يكون اجراء التحقيق في جو من الكتمان بحيث لا يتم اذاعتها أو نشرها في وسائل الاعلام المختلفة لذلك جاءت المادة (54) من اللائحة الداخلية للمجلس لتنص على (جلسات اللجان سرية، ويحرر محضر لكل جلسة تلخص فيه المناقشات وتدون الآراء ويوقعه الرئيس والسكرتير..).
ويعني ذلك ان عمل اللجان في المجلس واجتماعاتها محاط بسياج من السرية مع ذلك فان المتابع لأداء وعمل لجان التحقيق نجد التسريبات الاعلامية على ما تتضمنه اجتماعات اللجان بحيث يتم تداول الأنباء والأخبار عن أعمالها وأسماء وأقوال الشهود فيها منافي لمقاصد التي توخاها المشرع البرلماني في تقريره للسرية بحيث تعد مخالفة صارخة لنص المادة (54) من اللائحة ومن شأنه التأثير سلبا على الشهود وأعمال اللجنة وبالتالي نتائجها ومصداقيتها خاصة وانها في الواقع لجنة تحقيق سياسية.
نوجز ما سبق الى وجود مخالفات دستورية وقانونية ولائحية في تشكيل لجنة التحقيق في قضية الايداعات وأنه بتطبيق تلك القواعد نجد عدم شرعيتها وقيامها بالمخالفة للأحكام والقواعد المنظمة.
وأن الشاهد الذي يدعي للمثول أمام اللجنة البرلمانية فلا يستجيب لطلبها فلا مسؤولية قانونية أو جنائية عليه وان اللجنة تقتصر صلاحياتها على سماع شهادة الشهود وليس علها ان تجبر الشاهد على المثول أمامها والحضور أو أدائه اليمين وتبقى مسؤولية الوزير قائمة أمام المجلس.
وانه لو حضر وأدى اليمين وكانت شهادته مخالفة للحقيقة فانه يمكن ان يساءل جنائيا على شهادة الزور وفقا للمادة(139) من قانون الجزاء.
ومن هنا لابد من الاشارة الى اغفال قانون الجزاء على تنظيم مسألة أداء الشاهد لشاهدته أمام لجان التحقيق من حيث الالزام وأداء اليمين وهو قصور تشريعي ينبغي تداركه.
كما نقترح على مجلس الأمة بتعديل لائحته الداخلية باضافة مبادئ تفصيلية تحكم أسس وآلية عمل هذه اللجان بشكل أوضح واكبر خاصة فيما يتعلق باستدعاء الشهود وسير عملها وتوقيع جزاءات معينة على أعضائها في حال مخالفتها.
ونختم بأن الصراع على المكاسب الانتخابية أيا كان نوعها لا يؤدي الا لمزيد من الاخفاق في عمل السلطة التشريعية ولا يحقق الغاية المنشودة من تقرير وسائل الرقابة البرلمانية والتي منها لجان التحقيق.
والحقيقة ان استبداد أي برلمان أمر مرفوض لهذا كان الدستور والقانون واللائحة فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة فلا تلازم بين النظام البرلماني والنظام الديموقراطي.
فالديموقراطية في المقام الأول هي أسلوب عمل ومنهج حياة توجب الالتزام بالدستور والقانون والقواعد المنظمة لسيرها والأغلبية خاصة اذا كان جهازها الوحيد هو المجلس النيابي قد تميل الى ان تصبح جائرة وباستقراء التاريخ نجد ان استبداد البرلمان حقيقة تاريخية حدثت في مختلف العصور.
ولجان التحقيق من الأسلحة الخطيرة والهامة في يد السلطة التشريعية اذ تستطيع ان تكشف عن أي مخالفة أو تجاوز في القوانين من الحكومة وبالتالي العمل على حماية الدستور من أي تجاوز أو تعد على أحكامه وقواعده.
ويفترض من قيام السلطة التشريعية برقابة السلطة التنفيذية لحماية وصون أحكام الدستور من خلال أدوات الرقابة السياسية عوضا عن ارتكابها هي للمخالفات الدستورية والقانونية.
وللأسف بتصويت الحكومة بالموافقة على تشكيل تلك اللجنة فانها تكون قد شاركت المجلس بالقدر نفسه في مخالفة وانتهاك الدستور.
ولا يبقى لنا الا ان نسلم بأن الأداة الفعالة والسلاح الفعال لصوت وحماية أحكام الدستور تتمثل في الرقابة القضائية وخضوع كافة الأفعال والتصرفات والأعمال في الدولة لمبدأ المشروعية.
لذلك نشارك الفقه الدستوري في المناداة بتعديل التشريعات ليفرض القضاء ولايته وليتصدى للبحث وفحص كافة أعمال المجلس والحكومة وحتى نضمن اتفاق كافة التصرفات والأعمال في الدولة والدستور والقانون واللائحة ولتنفرد بهذه المهمة محكمة مختصة بدل ان تخضع لأهواء السياسيين وفي ذلك يقول الفقيه بردو (ان الدولة لا توجد لمجرد فئة من الأفراد تقبض على السلطة لان السلطة ليست ملكا لهذه الفئة).
ونختم أخيرا بدعوة الخبراء الدستوريين والقانونيين الادلاء بقولهم حيث قد يعتقد البعض من صمتهم موافقتهم تشكيل واختصاص تلك اللجان وسير أعمالها وان كان صمتهم تعمد فالساكت عن الحق كالشيطان الأخرس والعياذ بالله.. والله من وراء القصد.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.