د.غانم النجار: عن الإعدام لا عن الإساءة


فلنتفق ابتداءً على أن الإساءة إلى مقام النبوة أو الذات الإلهية مرفوضة جملة وتفصيلاً، كما أن الدستور والقانون يرفضان ازدراء الأديان والمقدسات الدينية في المطلق، فإذا كان ذلك متفقاً عليه، فإننا سنختلف حول الإجراء المتبع للتعامل مع فعلة مجرّمة، ومع الحالات الشاذة التي قد تَرتكِب مثل هذه الفعلة المرفوضة.
المشكلة هنا في التوسع في الجرائم التي تكون عقوبتها الإعدام، ويمثل ذلك التوسع أخطر خطوة يتخذها المجتمع، بغض النظر عما قد يراه البعض من تحقيقه لأهداف سامية كالردع عن الإتيان بذات الفعل، وهو ما سنناقشه لاحقاً، يضاف إلى ذلك أن صدور قانون كرد فعل يمثل خللاً تشريعياً فادحاً.
الواجب التروي والتأني في العموم، فما بالك إن كانت العقوبة هي الإعدام؟ فالقانون باقٍ معنا إلى أمد طويل، وهو لن يتعامل مع الفعل الذي حدث، أي أن تعديل القانون لن يمس مَن قام بالفعل، بل مع ما هو آتٍ.
إشكالية الإعدام أنه عقوبة حين تنفذ في بريء فلا يمكن تعويضها بإعادة الحياة إليه، وبالتالي يجب التمهل فيها، خشية الوقوع في الخطأ الأعظم وهو إزهاق المجتمع روحاً بريئة، وهي أعظم عند الله من إيقاع عقوبة على نفس آثمة، فمن يقتل نفساً دون وجه حق “فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا”.
هذه واحدة، أما الثانية فهي طبيعة الجهة التي سيناط بها مهمة جمع الأدلة وتحديد هل هناك قضية أم لا، وهي أجهزة الأمن، وهي ذات الأجهزة التي راح تحت يدها عامر خليف العنزي، رحمه الله، بحجة الإرهاب، وراحت قضيته في غياهب النسيان، ولم نكن إلا فئة قليلة، استنكرنا ما حدث وطالبنا بفتح تحقيق دون أن نسمع صوتاً ممن يفترض فيهم أن يقولوا كلمة، وهكذا كانت مجاملة سياسية فاضحة على روح إنسان قضى تحت التعذيب، حتى وإن كنا نختلف معه، فله كل الحق في أن يحصل على حقوقه الإنسانية كاملة، وهي ذات الأجهزة التي قتلت محمد الميموني، رحمه الله، تحت التعذيب، ولم تكتفِ بذلك، بل كذبت حتى على وزير الداخلية السابق.
أليس مستغرباً أن يتنادى نوابنا الأفاضل لكي يعطوا ذات الأجهزة، التي لم يُعرَف ما فعلته من تفاصيل التقرير المزور على الوزير حتى الآن، ليعطوها صلاحيات قد تؤدي بإنسان إلى أن يقتل إعداماً؟! فكيف بالإمكان أن تؤتمن أجهزة قامت بهذه الفعلة في وضح النهار؟!
أقول قولي هذا وأنا على يقين بأن هناك الكثيرين من رجال الأمن أهل للثقة، ويقومون بعملهم بكل إخلاص، إلا أن المسألة عندما تؤدي إلى احتمالية إعدام إنسان، واحتمالية تهور السلطة واندفاعها ضد خصومها وتزوير أدلة ضدهم فإننا لا نحتاج إلى عدد كبير من جهاز الأمن، ويكفينا ما جرى من فبركة اتهامات “أمن دولة” لأقوال وأفعال أتى بها خصوم الحكومة لنعرف خطورة ووعورة الطريق الذي يسلكه هذا التعديل الخطير على قانون الجزاء.
وقد يقول قائل إنها مسألة يحسمها القضاء، وهذا صحيح، ولكن القضاء يحكم في نهاية الأمر على الأدلة التي سيجمعها ويجهزها، وربما يفبركها، بعض جهاز الأمن، وهي ليست بالمهمة الصعبة إن تمثلت فقط في ادعاء قول أتاه فلان أو علان، خاصة أننا في أجواء احتقان اجتماعي وطائفي حاد، وخطاب كراهية آخذ في التزايد، يمثل أرضية خصبة لادعاءات من هذا النوع، وتكفينا ادعاءات جرائم أمن الدولة في الحقبة السابقة، وما تم فيها من ادعاءات لأقوال ومقالات ما أنزل الله بها من سلطان.
وللحديث بقية
المصدر جريدة الجريدة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.