الأُمِّي – وفق التعريف التقليدي – هو الإنسان الذي لا يعرف القراءة والكتابة، وفي تعريف أكثر حداثة، الأُمّي هو الذي لا يجيد ولا يعرف التعامل مع التكنولوجيا والإنترنت وأنظمة المعلومات، وبعض المفكّرين يتجاوزون التعريفين السابقين، معتبرين أن الأمّي هو الذي لا يمتلك أدوات المعرفة والتحليل والاستقراء في مختلف المجالات العلمية والإنسانية والاجتماعية، وتتعدد التعاريف وفق كل زمان ومكان ومعطياتهما، مما يعني أن الأمية مصطلح متطوّر ومتغيّر.
أظن أننا تجاوزنا – على الأقل في الكويت – التعريف التقليدي للأمية، فنسبة الأُمّيين لا تتجاوز اثنين ونصف في المائة من إجمالي الكويتيين، ومعظمهم ممن ناهزوا الستين عاما، أما التعريف الثاني، فلا توجد إحصاءات دقيقة عنه، ولكن التكنولوجيا الحديثة فرضت نفسها على العالم، وليس على الكويت وحدها، ونتائجها واضحة من خلال استخدام الهواتف الذكية ومثيلاتها، فضلاً عن مدى انتشار استخدام المواقع الإلكترونية والتواصل الاجتماعي، التي أصبحت ثقافة عالمية.
لم يتبق سوى التعريف الثالث للأمية، وهو «أمية التحليل والاستقراء وامتلاك أدوات المعرفة». يصعب فهم هذا التعريف بشكله المجرد هكذا، فمن الضروري تفكيكه لكي نستطيع فهمه بشكل أدق، مثلاً لو تساءلنا عن الأمية السياسية، فهذا يحيلنا إلى تعريف أدق بأن الأمية السياسية تعني عدم امتلاك أدوات المعرفة السياسية، وبالتالي عدم القدرة على التحليل والاستقراء السياسيَّين، وفي ظل انتشار التكنولوجيا الحديثة في التعبير عن الرأي، أصبح كثير من الناس محللين وناشطين سياسيين، حتى ضاع السياسي الحقيقي بين الكثير من الأميين السياسيين، وحتى لا يُساء الفهم، فإن حق حرية التعبير عن الرأي لا يعني بالضرورة أن يكون الإنسان سياسياً أو مالكاً لأدوات المعرفة والتحليل والاستقراء السياسية، فهذان أمران مختلفان، ومن لا يفرّق بينهما فقد وقع في الأمية السياسية.
وعلى هذا المنوال، هناك العديد من الأميات مثل «الأمية الدستورية» والأمية الاقتصادية والأمية الدينية والأمية التاريخية والأمية الثقافية والأمية الاجتماعية، ومعظمها إذا انتشر وتفشى شكَّل خطورة على المجتمع، والأخطر من ذلك ألا يدرك الأمي أنه أمّي، فعندما يتحدث الأميّ الاقتصادي عن المشاكل الاقتصادية ويضع الحلول والاستقراءات الخاطئة، ويردد كلمات لا يدرك آثارها، فإنه قد يتسبب في أزمات وانعكاسات سلبية على المجتمع، وكذلك للأمي الديني حين يقرأ بعض الآراء الدينية المنقولة وينقلها بصفته عالماً بأمور الدين، ويبدأ في إصدار الفتاوى، فقد يُدخل المجتمع والناس في قضايا وخلافات كبيرة، فهو أمّيٌّ دينيّاً، لكنه لا يدرك أنه أمي! والأمر ينطبق على الأمي الثقافي والاجتماعي.. إلخ.
فالأمي ليس من لا يعرف فقط، بل من لا يعرف ويظن أنه يعرف!
أسيل عبدالحميد أمين
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق