يبدو واضحا أن التحدي الأكبر الذي يواجه مجلس الأمة اليوم، هو في المعارضة السياسية التي تراهن على إسقاطه دستوريا، من خلال اللجوء للمحاكم، وشعبيا من خلال حشد الجماهير في المسيرات والاعتصامات الاحتجاجية، وسياسيا من خلال مراقبة أداء نواب المجلس وتصيد الزلات وتهويل الصغائر، من أجل تشويه سمعته وشل حركته. وبالتالي، يبدو طبيعيا إدراك نواب مجلس الأمة لزوايا وجوانب هذا التحدي، والبحث عن السبل الكفيلة لضمان استمرار المجلس واستكمال دورته التشريعية الكاملة.
وليس الهدف هنا سعي النواب لضمان استمرار المجلس بحد ذاته، بقدر أهمية سعيهم لتوفير مقوّمة الاستقرار للسلطة التشريعية، وبالتأكيد سينعكس إيجابا على مصالح المواطنين المعطلة وعجلة التنمية المتعثرة. بل أكثر من ذلك نقول ما قيمة استمرار المجلس إذا لم يؤد دوره الحقيقي في مشاركة الحكومة بالتشريع وسن القوانين، ومراقبة أدائها ومحاسبتها حين الخطأ؟ وما قيمة المجلس إن لم يسارع إلى معالجة مشاكل الناس في جميع جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية؟
لذا، ننصح النواب اليوم بأن يبدأوا أولا بالسعي لضمان خلق مناخ إيجابي بين الحكومة والمجلس من جانب، وبين بعضهم البعض من الجانب الآخر، من خلال إشاعة روح المحبة والمودة والتسامح، وتفعيل المشتركات، والتغاضي عن مواقع الاختلاف، والحرص على عدم تحويل الاختلاف إلى خلاف، والعمل بروح الفريق الواحد، الذي يضع الله سبحانه وتعالى أمامه في خدمة الناس، والحرص على مصالحهم العامة. ثم عليهم وضع جملة من الأولويات وجدولتها، بما يتناسب وخطة وبرنامج الحكومة، والتي يأتي على رأسها إقرار مراسيم الضرورة والوحدة الوطنية وحماية المال العام وتجنيس «البدون» وقوانين تعزز الوضع المعيشي للأسر، وقوانين أخرى تضمن تأمين حياة كريمة لأجيالنا القادمة.
والأهم من ذلك، لا بد من وجود معارضة حقيقية في مجلس الأمة، تراقب أداء الحكومة، وتسعى لكشف الثغرات وإيقاف أي تجاوز يتم اكتشافه بحزم وحسم، وإن تطلب الأمر استخدام جميع الوسائل الدستورية المتاحة، بما فيها حق المساءلة السياسية.
نعم، يحتاج المجلس لوجود معارضة تمثل حكومة ظل وتمارس نقدا بناء، من شأنه أن يقوّم أداء الحكومة، ويصحح مسارها بشكل عام، ويكون صمام الأمان الرادع لكل متهاون بمصالح الناس أو مستهين في تحقيقها على وجه السرعة.
لقد مرت مجالس الأمة في السنوات الخمس السابقة بحالة من اللااستقرار، كان سببها الأساس طبيعة أداء النواب السابقين.. لذا، فهي فرصة كبيرة لاستلهام العبر والدروس من تاريخ تلك المجالس، كي يمكن للإخوة النواب اليوم أن يقدموا النموذج الذي سيعينهم على استمرار المجلس لخدمة الناس وتحقيق مصالحهم، وهذا كل ما نتمناه في الحقيقة، ونسأل
الله تعالى لهم التوفيق.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق