ناصر العبدلي: أي خصخصة

هناك تخوف في أوساط الطبقة الوسطى من أن هناك صفقة تجري بين الحكومة من جهة، وبعض الفعاليات التجارية القريبة منها على حساب المكتسبات التي تحققت طوال السنوات الماضية من جهة أخرى، في حين كان يفترض بالحكومة أن تقف على مسافة واحدة من جميع الفرقاء على الساحة السياسية، الأمر الذي يتطلب أن يكون هناك رد فعل حكومي على ذلك التخوف.
هناك فرق بين طرح قطاعات الخدمات الحكومية، مثل الكهرباء والماء والهاتف والإسكان للتخصيص، وبين نقل ملكيتها إلى فعاليات تجارية مقربة من الحكومة، فالأولى تعني مشروعا ينقل البلاد من حالة الجمود على تلك الأصعدة، ويشترك فيه كل الأطراف، سواء أكانوا تجارا أم مواطنين ينتمون للطبقة الوسطى أو حتى للطبقة المحدودة الدخل، فيما تعني الثانية انحدارا على جميع الأصعدة، وخصوصا على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
الخصخصة حتمية إذا ما أردنا أن نتحول فعلا إلى بلد قادر على التطور ومواكبة التغيرات الدولية في كل شيء، لكن طرحها من دون ترتيب وتهيئة للأجواء وإطلاق حوار وطني حول أهميتها ودفع التخوفات حولها لتطفو على السطح سيجعل منها مشروعا بائسا، وربما يكون شرارة أخرى للتأزيم واستخدام الساحات، بدلا من استخدام الحجج الدستورية والمنطقية.
نموذج تحويل مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية إلى شركة خاصة يمكن أن يكون النموذج الأفضل، إذا ما جرت معالجة التخوفات السائدة على الساحة، ويمكن خلال عامين من الآن تحويل قطاعات الخدمات إلى شركات حكومية، على أن يباع جزء منها لمستثمر محلي أو أجنبي لديه الخبرات الكافية لإدارتها، وتمنح القطاعات الخدمية على صعيد الأمن الاجتماعي فرصة للاستفادة من مثل تلك الشركات، وتوزع البقية على المواطنين.
يمكن أيضا نقل مسؤولية وزارة الإسكان إلى البنوك المحلية، من خلال إطلاق برنامج أو صندوق في تلك البنوك، بدعم حكومي، لتوفير القروض الإسكانية، كما في الدول المتطورة، ويمكن من خلال تلك الخطوة التخلص من مؤسسة ضخمة جدا ليس هناك داع لوجودها، بعد أن أثبتت المرحلة الماضية عجزها عن تحقيق حل لمشكلة استهلكت الكثير من الوقت والجهد، ويمكن أيضا من خلال تلك الخطوة خلق فرص جديدة لقطاع البنوك، باعتبارها مؤسسات وطنية، للاستفادة، وبالتالي سينعكس ذلك الوضع على المواطن بشكل غير مباشر.
تجارب الخصخصة في الدول العربية تحولت إلى مأساة شعبية، ويمكن أن نرى ذلك في التجربة المصرية بالتحديد، ما انعكس سلبيا على دول أخرى، ودفع المواطنين إلى التخوف من مثل تلك التجارب. وينبغي لنا أن نضع مثل تلك التخوفات في الحسبان، ولا نبدأ من دون تبديد تلك المخاوف لدى المواطنين، وإلا ستفشل تجربة الخصخصة، وتتحول إلى عكس ما نريد.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.