خليل حيدر: فندق بسم الله.. في قطر

مدينة الدوحة هي المدينة الوحيدة في قطر سكانها 25 الف نسمة. وترى فيها الناس من كل الجنسيات الآسيوية والافريقية والاوروبية، ولا يجد هؤلاء كلهم دارا للسينما أو ناديا يذهبون اليه في الليل. اما التلفزيون فهو غير منتشر هناك، لعدم وضوح الصورة عليه، لبُعد محطة الارسال الموجودة في الظهران بالمملكة العربية السعودية. والويل لك اذا وصلت بالليل ولم تكن بانتظارك سيارة، اذ ستضطر للوقوف في الشارع ساعات، فليس هناك اتوبيس أو ترام، وسيارات الاجرة، وهي وسيلة المواصلات الوحيدة، لا تعمل في الليل الا نادرا.
هكذا وصف استطلاع مجلة «العربي» العاصمة القطرية في عدد مايو 1960. مطعم السندباد هو المطعم الوحيد، اما الفنادق فهي معدومة هناك، ما عدا فندقا صغيرا من فنادق الدرجة الثالثة، وهو فندق «بسم الله»، وصاحبه هندي مسلم، يتقاضى خمس روبيات عن الشخص.. للنوم فقط. اما باقي ضواحي الدوحة، كتب الاستاذ سليم زبال في الاستطلاع، فهي «بساتين ومنازل متفرقة تقوم حول آبار الماء»!
لم يصدر قانون المرور للسيارات في قطر حتى الآن، و«من المناظر المألوفة في الدوحة منظر الصبية الصغار الذين يقودون السيارات الخاصة الضخمة الحديثة».
وللبقر في شوارع الدوحة قصة طريفة، اضاف الاستطلاع «فقد لاحظت البلدية ان الابقار المتروكة قد كثر عددها في الشوارع، فقررت حجز هذه الابقار وعدم اطلاق سراحها الا بعد تحصيل غرامة قدرها خمس روبيات عن كل رأس، لكل يوم تحجز فيه. وبدأ تجميع البقر، واصبح لدى البلدية عدد كبير منها يعد بالمئات. وانتظرت البلدية ان يأتي اصحاب هذه الابقار ليتسلموها، ولكن احدا لم يتقدم، وعلى النقيض قد جاء البلدية من يقول لها ان اصحاب الابقار يودون لو احتفظت بأبقارهم لتريحهم من غذائها! وهنا لم تجد البلدية بُداً من اطلاق سراح الابقار، وتركها تسرح بين السيارات الكاديلاك والامبريال المكيفة الهواء.. لتعود في الليل الى منازل اصحابها ان شاءت».
وقد امتد العمران في الدوحة واتسعت رقعتها حتى اصبحت المقابر القديمة تتوسط المدينة. من هنا بدأ التفكير في نقل هذه المقابر، وشق الشوارع الرئيسة وغرس الاشجار في مكانها.. ولكن هذه الفكرة، اضاف الكاتب، قوبلت باعتراض شديد، فقبرت!
لا يعرف القطريون للبطاطس اسما «فقط لم تعرف الزراعة الا في السنين الاخيرة. وكان اهلها يعيشون على الاسماك والارز. حتى البطاطس لم تكن معروفة، وخاصة في القرى، حيث تُطلق الاسماء الغريبة عليها. فمثلا في قرية الوكرة يقولون لك أكلنا اليوم «على وِلمَ، أي اكلنا بطاطس. انهم اطلقوا عليها اسم الشخص الذي ادخلها الى القرية».
ولكن الاستطلاع يقول كذلك ان بعض اصحاب المنازل والقصور بدأ في زرع الحدائق الخاصة به، كما تقوم المزرعة النموذجية في قطر بمد البلاد بالخضراوات، الى جانب ما يرد الى البلاد من الخضراوات والفاكهة بالسيارات من لبنان، في حين يصل البيض من بيروت بالطائرات، ومستوردات اخرى من البحرين وايران والهند والسعودية وغيرها.
الجو في قطر شديد الحرارة في الصيف، الذي يبدأ من ابريل حتى اكتوبر، وقارس البرودة في الشتاء. وفي بعض السنين لا يحسُّ الناس بالشتاء، ولا تهطل نقطة مطر واحدة، بينما تنزل في بعض السنين سيول عارمة تكتسح كل شيء امامها، كما حدث عام 1916.
الاستطلاع رصد بدايات التغيير في قطر.
ان اول دفعة من طلبة ثانوية الدوحة ستتخرج هذه السنة، ليوفد بعض اعضائها الى الخارج للدراسة الجامعية، البلد لايزال اهله يعتمدون في مواقيتهم على تنقلات الشمس والقمر، ويقبضون رواتبهم على اساس التوقيت الهجري والاشهر القمرية. غير ان المسؤولين في قطر، «تنبهوا الى احتمال نضوب البترول، فبدؤوا في دراسة مشروع لاقامة مصنع للأسمنت بعد ان ثبت ان خامات صناعة الاسمنت موجودة بكثرة في صحراء قطر.. ان هذا المصنع سيتمكن من سد حاجة قطر وحاجة جميع الدول الواقعة على ساحل الخليج».
هكذا كانت الامور، أو بدت، سنة 1960!
خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.