ناصر العبدلي: ستتجرع المر

هناك سوء تقدير وقراءة خاطئة للتطورات السياسية، وخصوصا بعد صدور مرسوم الصوت الواحد من جانب بعض الأطراف داخل ما يسمى الأغلبية، رغم أن التناقض مع تلك القراءة سيجلب لهم اتهامات بالانتهازية، لكنها السياسة وتداعياتها تفرض عليك ظروفا ربما لا تريدها ولا تقبل بها، لكنك في نهاية المطاف تبحث عن خيط إيجابي داخلها، لتوظيفه قدر ما أمكن.
كان الجدار بيننا وبين الحقيقة فيه أربعة ثقوب تمكننا من التحرك بكل حرية في ساحتها، وتقلصت تلك الثقوب إلى ثقب واحد، لحزمة من الأسباب، بينها أن بعضنا لم يلتزم أصول اللعبة الديمقراطية، واستخدم أدوات من خارج إطار الدستور، بعضها كان للوصول إلى أهداف دستورية، وبعضها كان بلا هدف، مع ذلك كان يجب استخدام ذلك الثقب، للوصول إلى الحقيقة، مادام هو المتاح، فالحقيقة هي الهدف.
ترك الساحة البرلمانية، وهي إحدى الساحات المهمة في البلاد، والتي يمكن من خلالها التعاطي مع كل الملفات، وفقا للشرعية الدستورية، خطأ إستراتيجي، ينبغي أن يعترف به من ترك تلك الساحة من دون فهم للتطورات السياسية، كما عليه أن يتحمل المسؤوليات كاملة على تداعيات تلك الخطوة، كما يجب ألا يتبرأ من تلك المسؤوليات بالهروب إلى الأمام، في محاولة لتجنب الاعتراف بالخطأ الذي ارتكبه.
في السياسة إذا تركت فراغا كان يمكن أن تشغله سيأتي من يشغله بديلا عنك، فتلك طبيعة الأمور، وما دمت تركت الساحة البرلمانية بإرادتك، فإن تلك الساحة لن تبقى خالية، فهناك من ينتظر الفرص، وسيحصل عليها ما دمت كنت غائبا، وستكتشف غدا أن ملفات ستطرح وسيدور حولها جدل بعضها جاد وبعضها يعمل على تجريدك من أنصارك، فالبشر عبارة عن قضايا تنتظر حلا ما.
إذا تركت الساحة البرلمانية بإرادتك، فإنك ستترك مرغما الساحة الشعبية هي الأخرى، وسيشغلها أولئك الذين شغلوا الساحة الأولى، فهما مرتبطتان إلى حد كبير، فقضية مثل قضية القروض المطروحة برلمانيا لها امتدادات شعبية، وإذا تداعى النواب الجدد لندوة جماهيرية حول قضية بهذا الحجم، فإنك لا تستطيع أن تكون جزءاً منها، وإلا ستكون شريكا في مجلس الذل والعار بشكل غير مباشر.
القضية الإسكانية قضية شعبية هي الأخرى، ومن يطرحها داخل البرلمان ويستثمرها جادا على الساحة الشعبية سيكون لها صدى طيب في أوساط من ينتظر تلك الخدمة سنوات طوالا، ولو تحرك مجموعة من نواب البرلمان الجديد على الساحة الشعبية على شكل ندوة أو مهرجانات خطابية لحشد الرأي العام خلفها وطرح حلول جادة في مجلس الأمة لن تستطيع حضورها، وإلا ستوصم بأنك انبطاحي وقبيض.
عندما عزلت نفسك عن الساحة البرلمانية لم تكن تعرف أنك تفعل الشيء ذاته مع الساحة الشعبية، وأنك لن تستطيع الخروج من أجواء ذلك الانعزال، فقضيتك الوحيدة ستكون سحب المرسوم وحل مجلس الأمة والعودة إلى نظام الأصوات الأربعة، أما القضايا التي تمس المواطنين بشكل مباشر، مثل قضايا القروض والإسكان والخدمات الصحية والتعليمية، فإنك ودعتها إلى الأبد، وتركتها للقادمين الجدد على الساحتين البرلمانية والشعبية، وإذا لم يكن هناك قرار بعدم دستورية المرسوم، فستتجرع
المر الذي صنعته لنفسك.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.