يُروى أن الشاعر المعروف بشار بن برد كان يسير ذات يوم في الطريق، وكان بشار قد ولد أعمى فهو لم ير الدنيا قط. فمر به رجل فسلم عليه وسأله عن بيت يبحث عنه وطلب منه أن يدله عليه، فدله بشار على ذلك البيت فلم يهتد إليه الرجل، فعاد الرجل إلى بشار يسأله عن موقع البيت مرة ثانية فأخذ بشار بيده وقاده إلى موضع البيت، وتركه هناك، وقفل راجعا، وهو يقول:
أعمى يقود بصيرا- لا أبا لكم…… قد ضلّ من كانت العميان تهديه
فأخذت العامة هذا المعنى لظرفه وطرافته فقالت: «أعمى يقود بصير.. من قلة التدبير»، وذهب ذلك القول مثلا.
هذا المثل يُقال عندما يستعين الرجل بمن هو أعجز منه، وهذا هو حال البدون هذه الأيام، عندما يمنون النفس بأن يشكل مجلس الأمة لجنة خاصة بهم لعل وعسى تفعل شيئاً في قضيتهم الشائكة. تعويل البدون على لجنة برلمانية خاصة لموضوع البدون يأتي من باب قلة التدبير، وإلا فإن التجارب السابقة لمثل هذه اللجان في المجالس السابقة لم تثمر شيئاً، بل على العكس من ذلك كان بعض النواب السابقين يستخدمها لمصالح انتخابية وتمرير مصالح شخصية.
على الرغم من التجربة السلبية للجان البدون البرلمانية السابقة فإنه ليس هناك ضرر من إعادة محاولة تشكيل لجنة برلمانية لموضوع البدون، وعلى الأقل لفضح من يتشدق بالدفاع عن مظلومية البدون ولكنه يعارض الحد الأدنى من الدفاع عن هذه الشريحة المظلومة والمتمثل بلجنة تعنى بهذا الملف الإنساني المزمن. يفترض أن يناقش مجلس الأمة في جلسته اليوم موضوع تشكيل لجنة البدون، ونتمنى أن يكون التصويت على هذه اللجنة عبر النداء بالاسم حتى نتعرف على أصحاب «الضمائر الحية» الذين يعارضون حتى فكرة تشكيل لجنة لمناقشة هذا الموضوع الإنساني.
بالطبع موقف الحكومة من تشكيل اللجان الخاصة وبالأخص لجنة البدون هو الرفض المطلق، لأنها وبرغم تصريحات مسؤوليها التي تؤكد «الجدية» في حل موضوع البدون فإنها لا تعدو كونها تصريحات جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا أدل على «جدية» الحكومة وعزمها على إعطاء كل ذي حق حقه أنها مازالت متمسكة بصالح الفضالة على رأس الجهاز المركزي للبدون بعد إنجازه العظيم المتمثل بتقسيم البدون إلى «بطاقات ملونة».
لأنه لا يمكن التعويل لا على الحكومة ولا على مجلس الأمة في حل قضية البدون، نعيد ونكرر إن حل قضية البدون هو بيد البدون وحدهم، فلا ينهض بالحمل الثقيل إلا أهله، ومرة أخرى نعيد ونكرر «النائحة المستأجرة ليست كالنائحة الثكلى». على البدون أن يدركوا هذه الحقيقة وإلا فإنهم سيصبحون مثل «عميان الحضرة».
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق