كاميرات المراقبة في المواقع التجارية والسكنية ومرافق التمتع العامة كالحدائق والساحات والشواطئ هدف يتعدى ما أقنع الكويتيون أنفسهم به من رصد لحالات العشق الممنوع وتسجيل ما يسميه تجار الحلال والحرام “بمخالفات الأدب العام” ولكنها ببساطة واختصار عبارة عن أداة تسجل التعديات على القانون.
الهدف من وراء تسجيل التعديات قضية أخرى, وحسب اللوائح البريطانية والأميركية لتسجيل الجريمة والمنشورة على الانترنت, هناك معايير وأهداف واضحة لتسجيل الجريمة, منها تسجيل واقعة الجريمة بأبعادها المتعددة وملابساتها المتداخلة وحصرها في نسخة رقمية واحدة, لدراسة الظروف الأمنية وبالتالي الرفع من إجراءات الأمن وضمان سلامة رجال الأمن والحراسة, وتزويد الشرطة وجهات الأمن المعنية بمعلومات من شأنها حل القضية القائم التحقيق فيها, وبالتالي خفض نسبة التعديات ومعدل الجريمة عن طريق الإمساك بالمجرم, وتقليل فرص حدوث جرائم مماثلة في المستقبل, لمراقبة معدل كفاءة حراس الأمن أنفسهم في ما يتعلق بجاهزيتهم لمنع جريمة قبل حدوثها عن طريق سرعة استجابتهم لما يراقبونه ويسجلونه من أحداث, دراسة فعالية قوانين ردع الانتهاكات بشكل عملي بحيث يدرس المشرعون على أرض الواقع مدى تحقيق قانون ما لهدفه في المجتمع في تقليل التعديات على القانون.
الآن وبعد أن قرأنا معا بعضا من أهداف تسجيل الجريمة عند الجهات الأمنية العامة منها والخاصة لنتباحث معا في أهداف “الأفراد” من وراء تسجيل جريمة أو حادث مأساوي, فهل هو بغاية الإخبار عن ما تركه حادث من أثر? ربما صح هذا التحليل في حالات تسجيل الكوارث القومية الطبيعية, كالتعرض لزلزال أو فيضان- أو كالحروب, ولا يصح هذا التحليل أو ينطبق على حالة قام فيها أفراد بتصوير ملامح طفل صغير تدلت رقبته من نافذة سيارة وغاب عن الحياة جراء عبثه بزر التحكم بالنافذة فلم يستطع فتحها بعد أن أغلقها, فأين هو قياس الأثر في تصوير مثل هذه الحادثة المأساوية إن لم يكن هناك سوى أثر واحد وهو الموت?
ربما كان البعض يسجل بهدف مساعدة رجال الأمن في رصد تفاصيل حادث ما, وينطبق هذا التفسير على من سجل حادث أو جريمة ما حدثت بتطوراتها فكان أن سلم ما سجله لرجال الأمن بغاية تسهيل عملية التحقيق مع الشهود وفك رموز تضارب شهادات الناس فيما شهدوه من جرم أو حادث, ولكن أين نحن من هذا التحليل عندما نشاهد من قام بتسجيل تلوي جسد ونزاع روح الدكتور جابر سمير يوسف مع الموت إثر طعنات حادة تلقاها في مجمع الأفنيوز? كيف لنا أن نفسر أن يقوى البعض على حمل أداة تسجيل في وجه إنسان يحتضر ألما في أشد وأقسى وأمر حالة قد ترد على إنسان ذهب بنفسه للتمتع بمجمع تجاري فكان أن فارق فيه الحياة مقتولا ومغدورا على مرأى ومسمع من جمهور من الناس?! ومن ثم كيف أباح من حمل أداة التسجيل لنفسه الحق بأن ينشر ما سجله على الناس في مواقع التواصل الاجتماعي, فكان أن رأى كثيرون أن من البسيط والهين أن يشاهدوا ويساعدوا في نشر منظر بشع وشنيع كهذا?
سؤال يؤرقني وأعجز عن تجريده من المرارة وهو: كيف ومتى أصبحت مشاهدة جثث الأطفال تتدلى من نوافذ السيارات ومشاهد أناس تنزف ألما ولوعة أمرا يسهل على الناس – في الكويت- تداوله? أين هي مفاهيم “حرمة الجسد” التي يتغنى بها باعة الدين? أم أن حرمة الجسد مفهوم يقف عند حد معين? وأين هي الحشمة من أناس فشلوا في أن يلجموا أنفسهم من نشر وتوزيع صورة وفيديو إنسان ستره الدم وغطاه وهو يحتضر? فكان أن أحدثت في عائلته وأقربائه مصابا غير مصابهم في فقد ابنهم فلا ساعد جهات الأمن بتصويره للقاتل ولا تتبع سوى حركة إنسان مطروح على الأرض يرفض أن يموت!
حقيقة الأمر انني أتوجع وأنا أكتب مقالتي هذه مدركة أننا كمجتمع في حالة تدل من أعلى هاوية أخلاقية, يدفعنا للسقوط منها ما يسمى بالتكنولوجيا الحديثة والأجهزة الذكية التي ما لبثت أن تحولت إلى غبية في أيدي من عجز عن حملها على تسهيل التواصل وبالتالي حملها على الإنتاج بكفاءة فباتت أسلحة تهدد كثيرا من أخلاقنا وتقف في مواجهة موروث مجتمع قام في أساسه على مفهومي الستر ومساعدة الغير.
h_alhuwail@yahoo.com
قم بكتابة اول تعليق