عبدالمحسن جمعة: جينات العرب… ومجلس الصوت الواحد!

العالم من حولنا يتغير، وأمم من حولنا كذلك من دول العالم الثالث تفك عنها قيود التخلف لترتقي إلى التصنيفات العالمية، وتشق طريقها إلى العالم الثاني ومنه إلى القمة، ونحن – العالم العربي – نتقهقر، حتى حركات الحرية والديمقراطية العربية التي تفجرت منذ عامين عندنا تتحول إلى حركات رجعية أصولية، ربيعها قصير جداً وتسير إلى خريفها بسرعة البرق، بسبب تشبعها بالكراهية وغل تصفية الحسابات وهدم المنجز من مشاريع تنموية، لتبدأ كما يقول المصريون على “ميه بيضا”، وفعلاً ستكون “بيضاء” وخالية من أي أرصدة، لأنهم سيفلسون بلدانهم في طواحين الرجعية الأصولية والعناد والغوغائية.
ومن تجارب الدول التي تنفض عنها غبار الركود والتخلف ما تشير إليه المنظمات الدولية وتشيد به من مشاريع وتجارب، مثل تجربة البرازيليين في مدنهم التي كانت تعاني أحياء الصفيح العشوائية والتلوث والفوضى المرورية، فاجتمعت إرادتهم على تصفية الأحياء العشوائية وتنظيم المرور ووضع خطوط محددة في الشوارع للحافلات، وانتشار حاويات الفضلات المختلفة لتدوير القمامة طبقاً لنوعيتها واستخدامها في الطاقة النظيفة والصناعات التحويلية، وفي الهند أيضاً تنشأ على أطراف مدينة بومباي مدينة جديدة منظمة بالطاقة المتجددة، والصين كذلك في مدن عدة فيها، بينما مدننا العربية الجميلة تُدَمّر، فبيروت عاصمة سويسرا العرب تختنق بتجاوزات الضاحية الجنوبية وعشوائية البناء فيها، وأصبح وسط بيروت المجدد الأنيق يختنق من تمدد التجاوزات من حوله.
أما القاهرة، التي كانت تعتبر في أربعينيات وخمسينيات وحتى الستينيات من القرن الماضي روما الشرق، فقد أصبحت اليوم مدينة العشوائيات التي تغتالها الفوضى التي تسمى اعتصامات وحركات احتجاجية، بينما هي حالة فوضوية في مدينة تحتضر بحزام مدن الصفيح من حولها، وفي الكويت المدينة الشابة المصممة قبل 50 عاماً فقط بأحدث نظم المدن العصرية، تدمر ضواحي السكن الخاص ببناء عمارات داخلها، بعد رفع نسب البناء بشكل كبير في السكن النموذجي، وفي شوارع لا يزيد عرضها على أربعة أمتار، وبنايات عالية في المناطق الاستثمارية دون مواقف ونظم نقل جماعي حديثة (مترو وخلافه)، وفوضى الحافلات في الطرق دون خطوط محددة لها، وكل وصفات المخالفات التي ستؤدي بنا إلى مصير المدن العربية الأخرى من دمار وقبح، وخليجياً علينا أن نستثني مثال دبي التي تعتبر مدينة تُدار بعقليات أجنبية وتسكنها أغلبية من الأوروبيين.
وهنا يتساءل المرء ما مشكلة العرب؟… أصحاب التاريخ والانفتاح والحضارة، كمصر ولبنان وغيرهما، تسير مدنهم إلى الخلف، وتتحول إلى مدن فوضى وعشوائيات وصفيح، وأصحاب الفوائض المالية والخبرات الفنية، الناتجة عن قدرتهم على توظيف أفضل المكاتب الهندسية العالمية مثل الكويت، لديهم حالة من التسيب، واتخاذ القرارات الخاطئة، وشراء أصحاب القرار في الحكومة وبلدية الكويت ود الشارع بقرارات ستصب بالنهاية في خراب نظام البلد وتدني مستواه وجودة المعيشة فيه… فبالله عليكم ما سبب تردي أحوال العرب وتراجعهم بينما كل شعوب العالم تسير نحو القمة؟… هل هناك خراب في جينات العرب لا يمكن علاجه لإصلاح أحوالهم… أم ماذا بربكم؟!
***
بعض الزملاء الإعلاميين “هابين… هبه” -أي موضة جديدة- في هذه الأيام بإطلاقهم تسمية “مجلس الصوت الواحد” على مجلس الأمة الحالي، وأنا لا أفهم هل هذا نوع من المدح أم الذم؟… لأن الكونغرس الأميركي والبرلمان الفرنسي والبوندستاغ الألماني والنواب النيوزيلندي ومؤتمر الشعب الجنوب إفريقي كلها ينطبق عليها تعبير “مجلس الصوت الواحد”… فما المعنى يا زملاء هل هذا الوصف إشادة بمجلس الأمة الحالي، لأنه أصبح يطابق معايير الانتخابات الديمقراطية الدولية، وتم انتخابه بإدلاء الناخب بصوت واحد أم ماذا؟… رجاءً نورونا الله ينور عليكم!
المصدر جريدة الجريدة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.