خالد الجنفاوي: الديمقراطية والفوضوية وقِلة الأَدب


أعتقد أن نجاح المجتمعات الإنسانية في الاستفادة القصوى من النظام الديمقراطي ربما سيقررها تقدير وقبول أعضاء تلك المجتمعات لغالبية مسؤوليات واستحقاقات الممارسات الديمقراطية . فثمة مجتمعات في عالمنا المعاصر استفادت بشكل كبير من “حرية الديمقراطية” لأنها تعاملت معها بشكل متمدن وجاد وعقلاني وبناء. وتستمر هذه المعادلة الديمقراطية صحيحة في غالبية السياقات الاجتماعية والوطنية (الديمقراطية تكرس السلوك المدني المتحضر بما سيعود بالنفع للفرد وللمجتمع). ولذلك يلاحظ المراقب ترسخ المبادئ المدنية النبيلة (العدالة-السلوك المدني المتحضر-الوفاء بمسؤوليات المواطنة الحقة- التسامح- قبول التطور-النظامية-المساواة-الأخلاق المدنية الإيجابية) في أغلب المجتمعات الغربية المعاصرة. وبالطبع فالنتيجة المتوقعة لمثل هذه التطورات التاريخية عادت بالنفع على الفرد والمجتمع الغربي. فلا يزال الغرب عامة متحضراً وريادياً ومؤدباً بشكل نسبي ويتطور على كل الأصعدة الإنسانية. وفق رأينا, من المفروض أن تكرس أي ممارسة ديمقراطية (حتى لو كانت نسبية) لسلوكيات عصرية ومؤدبة تتمثل في الحفاظ على كرامة الفرد والقبول الحقيقي للرأي وللرأي الآخر ونبذ أي سلوك أو تصرف أهوج أو متخلف أو ضيق الأفق. ولكن رغم ذلك, فإن ما يحدث أحياناً على أرض الواقع (في أي بيئة اجتماعية يدعي أغلب أعضائها انتهاج المبادئ الديمقراطية) ربما يخالف هذه التوقعات الديمقراطية الإيجابية ( تصرفات غير عقلانية وأطروحات سياسية شخصانية ومواقف عدائية لا منطقية). فإذ حدث ذلك, أي إذا تحولت أي بيئة ديمقراطية إلى ساحة صراع بين إرادات شخصية أنانية وإلى حلبة صراع للفوضوية وقلة الأدب بين البعض, فثمة خلل رئيسي في التصورات الاجتماعية العامة حول ماهية الديمقراطية الحقيقية.
وبالطبع لا نزعم هنا أن الديمقراطية منظومة أخلاقية متكاملة وكافية لتكريس السلوكيات والتصرفات المدنية والمتحضرة. ولكن تطويع الممارسة الديمقراطية بشكل إيجابي سيؤدي لا محالة إلى ترسيخ “مبادئ المجتمع المدني” المتحضر والعصري. فالخلل الرئيسي في ما يتعلق ببعض التجارب الديمقراطية السلبية في عالمنا المعاصر ربما يسببه نوع العلاقات الاجتماعية بين أعضاء المجتمع. فإذا برزت في الساحة المحلية أساليب حياة متمدنة ونهج سلوكي إيجابي ومسؤول فسيدل ذلك على نجاح أغلبية أعضاء المجتمع في الاستفادة القصوى من الديمقراطية. أما إذا حدث العكس, وتم استغلال “الحرية الديمقراطية” لتكريس التصرفات الشخصانية والطفولية الطائشة وضيقة الأفق بين من هم من المفروض أن يكونوا أشخاصاً بالغين, فتلك حسرة ما بعدها حسرة وربما نذير شؤم لما سيحدث لاحقاً.
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.