خالد الجنفاوي: أنا مُضْطَهَدْ… إذاً أنا موجود

“إصْبِرْ علَى تَعَبِ الإدلاجِ والسَّهَرِ
وبالرَّوَاحِ على الحاجاتِ والبُكَرِ
لاَ تَضْجَرَنَّ ولا يُعْجِزْكَ مَطْلَبُها
فالنُّجْحُ يَتْلَفُ بَيْنَ العجزِ والضجَرِ” (الامام علي عليه السلام).
أعتقد أن هناك نوعاً معيناً من بني البشر يبدو انهم يؤمنون فعلاً ويتصرفون في حياتهم اليومية وكأن أفضل حالاتهم النفسية هي ان يشعروا دائماً أنهم ضحايا مضطهدون ومقهورون لا حيلة لهم! فيؤمن هؤلاء ان جميع من يعيشون على وجه الكوكب ربما ينوون احباطهم أو ربما قتلهم وتدميرهم وتفتيت مجتمعاتهم مهما كانت أهمية تلك المجتمعات في السياق البشري العالمي. وهؤلاء القلة من بني البشر من يشعرون بشكل مبالغ فيه أنهم مضطهدون ومقهورون ومظلومون دائماً وأن الآخرين يسعون بكل ما يستطيعون من قوة وفي كل مناسبة إلى الحد من سعادتهم فهؤلاء يستحوذ على وجودهم الإنساني دور الضحية!
الاضطهاد هو أي معاملة قاسية وغير عادلة يتلقاها أحدهم من الآخرين. أي عندما يمارس البعض جبروته الشخصي على من هم أضعف منه وأحياناً بشكل متطرف ينتج عنها غالباً شعور الضحية بالاكتئاب وقلة الحيلة وربما في بعض الحالات المستعصية سيشعر ضحية الاضطهاد بانتكاسات عقلية ونفسية حادة تظهر بعض آثارها على جسده. وبالطبع لا أحد ينكر أن الاضطهاد موجود في كل المجتمعات وربما يأتي بكل الأشكال والأنواع والنكهات وربما يكون له ضحايا كل دقيقة. ولكن الغريب في هذا السياق أن يشعر أحد الأفراد أو مجموعة من الأفراد أن المجتمع بأكمله يضطهدهم, وأن كل من هو أفضل منهم ثقافياً أو حضارياً لابد أن يكون متآمراً عليهم ويحاول أن يثبط عزائمهم!
كيف لنا أن نقاوم الشعور بالاضطهاد? سوف يتمكن من يشعر أنه مضطهد من قبل الآخرين من أن يقاوم هذا الشعور الانهزامي بأن يصر على تحقيق النجاح دائماً في كل جوانب حياته اليومية, بل وأن يؤمن أن كفاءاته وقدراته ومهاراته الشخصية كإنسان حر ومستقل سوف تنتشله مما هو فيه من ضعف وهوان. فمقاومة الشعور الفعلي أو المتخيل تبدأ عندما يتوقف الضحية عن الشعور بحالة الضعف المصطنعة وقلة الحيلة المفبركة وفقد الأمل, ويبدأ يركز بجدية وبتفان منقطع النظير على تطوير مهاراته وقدراته الشخصية حتى يصبح إنساناً ناجحا وفعالاً وفقاً لمعايير عالمنا المعاصر. فالاضطهاد حتى لو كان حقيقياً وموجوداً بشكل ملموس في البيئة الاجتماعية التي ينتمي اليها الفرد سيختفي هذا الشعور بالاضطهاد وسيتلاشى من حياتنا اليومية متى اخترنا كأفراد وبأرادتنا الحرة وبعزيمتنا القوية أن نقاومه ونتغلب عليه. فلعل وعسى.
كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.