أعتقد أن الانسياق وراء المشاحنات الفكرية والسياسية سيؤدي إلى تضييع الوقت الثمين وربما سيشتت التركيز في تحقيق الأولويات الوطنية. فلم يُعرف عن المشاحنات والمزايدات السياسية وبخاصة ما يأتي بشكل مبالغات لفظية ونقد لاذع للطرف الآخر والتي تمارسها بعض التيارات الايديولوجية المحلية أو بعض الأفراد أو بعض المجموعات أنها كرست ممارسة ديمقراطية هادفة. ولم يعرف عن هذا النوع من المماحكات الشخصانية أنها صنعت واقعاً وطنياً إيجابياً. فمن يمعن في مبالغاته في تصوير وقائع مجتمعه ربما رغبة منه في قلب الحقائق لصالحه أو من أجل ألا ينتصر الطرف الآخر أو بقصد إطالة أمد الخلافات المحلية, يضيع الفرص الثمينة على نفسه وعلى أبناء وطنه ويؤخرهم عن ربط آمالهم وتطلعاتهم المشروعة في تكريس حياة إنسانية بناءة وهادفة ومستقرة. خير الأمور الوسط, أي أحد الأهداف الرئيسية للديمقراطية هو تمكين أعضاء المجتمع الوطني من التوصل إلى توافق فيما بينهم يؤدي إلى تكريس حياة يومية هادفة وبناءة. وتقل فيها المزايدات الشخصانية ويتم خلالها تحقيق أكبر قدر ممكن من الأولويات الوطنية في التقدم الحضاري والتطور الاقتصادي والاجتماعي. فالإمعان في المشاحنات والمماحكة ومحاولة إظهار فشل الطرف الآخر والمشارك في العملية الديمقراطية لا تخلفي وراءها سوى مزيد من الاحتقان النفسي وتضييع للوقت الثمين.
على سبيل المثال, يوجد لدينا في الكويت حيز واسع من حرية الرأي والتعبير. ولكن من المفروض أن يتم استعمال هذه الحرية في التعبير عن الآراء بشكل مسؤول ووسطي, يخدم الفرد والمجتمع. فحرية الرأي والتعبير في سياقنا الديمقراطي الكويتي من المفروض أن تتيح للجميع بلا استثناء التعبير عن آرائهم واقتراحاتهم لحل المشكلات والتحديات المعاصرة التي يواجهها اقتصادنا ومجتمعنا المحلي في عالم متغير. وليس الهدف بالطبع السعي نحو إظهار فشل الطرف الآخر في المعادلة الوطنية أو ربط الانتصارات الفكرية الشخصية بكشف ضعف الطرف الآخر, فمن يمارس المزايدات السياسية ويميل ناحية تأزيم أوضاعنا المحلية وايجاد صراعات مفبركة بهدف البروز إعلامياً أو بهدف الاثارة, لا يخدم نفسه ولا مجتمعه الوطني. فالإنسان الذكي في عالم اليوم هو من سيعثر سريعاً على حلول عملية ووسطية للمشكلات المحلية. وهو أيضاً من يكشف دائماً عن ما يشترك به أبناء وطنه من تطلعات مشروعة في التطور والرقي الحضاري. ويحاول قدر ما يستطيع ايجاد أرضيات وطنية متماسكة.خير الأمور الوسط, فلعل وعسى.
كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق