مع أول إشراقات العام الميلادي الجديد 2013 , وبعد أن إحتفل العالم و البشرية إحتفالات أسطورية بالأنوار و الأضواء و المشاعل , إنتشر خبر حريق مؤسف وقع في “سوق واجف” في الكويت و شمل بعض محال سوق المباركية في قلب مدينة الكويت القديمة وعمقها التجاري, و التاريخي أيضا , ومن المؤسف للغاية أن تحترق بعض محال تلك المنطقة وهي تمثل كما أسلفت عمق الكويت و تاريخها الحديث والتي إرتبط إسمها بإسم أسد الجزيرة ومؤسس الكويت الحديثة الشيخ الراحل مبارك الصباح الذي جعل من الكويت لاعبا إقليميا مهما في الأحداث التي سبقت الحرب العالمية الأولى , وفي زمن كان فيه الشرق الأوسط يتشكل و يولد من جديد بعد مخاضات تاريخية وصراعات دولية عنيفة , و مناورات سياسية متنوعة في مرحلة أنجبت رجالا تاريخيين كانوا عناوين متميزة وتاريخية لشعوبهم , كالشيخ مبارك الصباح رحمه الله , والملك عبد العزيز آل سعود , ورجال آخرين كانت لهم أدوار متميزة في ولادة الشرق الأوسط الحديث ويتوقف التاريخ طويلا عند سيرتهم ونتائج أفعالهم.
سوق المباركية الكويتي يمثل نقطة جوهرية وحساسة ومفتاحاً مهماً من مفاتيح التطور و النمو في الدولة الكويتية الحديثة , وهو بالتالي ليس مجرد سوق للبيع و الشراء و عرض البضاعة , إنه أهم من ذلك بكثير لكونه الرمز والحاضنة الحقيقية للهوية الوطنية الكويتية الأصيلة , المعبرة عن كويت المحبة و التسامح و الإثرة و مساعدة الملهوف ونصرة الضعيف , إنها أخلاق وشمائل المؤسسين ألأوائل بحسهم التوحيدي و نظرتهم الإنسانية , و تشرف السوق بحمل إسم “مبارك الكبير” هو عنوان مجد لمرحلة تاريخية مجيدة حفلت بالتضحيات و الدموع و الآلام و تخطي أشواك الصراع الإستعماري الشرس الذي رسم بقلمه الأحمر حدودا للدول لكي تقوم الكويت و تنطلق من بين ركام التاريخ و تؤسس هذا الكيان الذي ينعم الشعب الكويتي فيه اليوم بالأمن و الأمان و الحرية تحت قيادة أحفاد الشيخ مبارك الذين ساروا على نهجه , ورسموا معالم الكويت الحديثة الساعية إلى السلام و العاملة من أجل التطور و الإنفتاح.
شخصيا أحرص أشد الحرص خلال زياراتي لدولة الكويت على قضاء أطول وقت ممكن في منطقة أسواق المباركية و المناطق المحيطة بها , لأنها توفر الأجواء الحقيقية والصورة المثلى لدولة الكويت وللتاريخ الكويتي الحديث , فقد مللت أشد الملل من “المولات” التجارية التقليدية على النمط الغربي وهي التي إنتشرت في عالمنا المعاصر ساحبة البساط من تحت الأسواق التقليدية و التراثية التي هجرتها الأجيال الجديدة المتغربة فكرا وسلوكا وممارسة , من لم يزر المباركية لم يزر الكويت , فمتعة التجول و حتى التسوق و التبضع بين اروقة سوق الخضرة وسوق السمك و المطاعم الشعبية المنتشرة حولك من دون تجاهل سوق التمر وحتى سوق “الجواتي” في شارع الغربللي الشهير أو سوق “البشوت”, تعني الشيء الكثير , وحسنا فعلت بلدية الكويت بتجديد السوق بعد خراب بربرية الغزو العراقي للكويت ليخرج بحلة جديدة وعصرية وليخلق منطقة تراثية جميلة للغاية , ولكنني لا أدري شيئا عن إجراءات الأمن و السلامة و الوقاية من الحرائق , وحماية التراث و التاريخ , المباركية هي عقد لؤلؤ براق في جبين التجارة الكويتية العريقة , وهي أكبر من الذاكرة , وحمايتها و صيانتها تعني حماية وصيانة الكويت الدولة التي تعيش اليوم إرهاصات صراعات سياسية متحولة أرجو أن لا تلقي بظلالها على مستويات الإدارة و العمل من أجل التنمية و التطوير , فكل الصراعات و الخلافات زائلة , وتبقى الكويت الحضن الدافئ للجميع و الهدف الأسمى لكل المختلفين كما هو مفترض , وتبقى مسؤولية الحفاظ على التراث و المعالم مسؤولية وطنية تضامنية للجميع , وسلامات يا “المباركية” و كفاك الشر , وحفظ الله الكويت و شعبها و أميرها من كل مكروه , لتعود الكويت كما كانت خلال التاريخ الحديث جوهرة للخليج العربي , ووطنا للنهار , وواحة للحرية و التطور و الإنفتاح و التسامح. والوحدة الوطنية الجامعة المانعة.
كاتب عراقي
dawoodalbasri@hotmail.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق