تمر مصر في مرحلة شديدة الخطورة من تاريخها، برز فيها الانقسام، وسادت فيها الفوضى، وتجلى فيها الإرهاب بأبشع صوره. ظهر هذا جليا عندما أصدر الرئيس مرسي ما أسماه إعلانا دستوريا، وهو في حقيقته يكاد يكون انقلابا على السلطة والشرعية من داخلها، حيث قبض في يديه من خلاله على كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. فألغى السلطة القضائية بتحصين قراراته وعدم الطعن عليها، فمنع المحكمة الدستورية من النظر في الطعون ضد مجلس الشورى والجمعية التأسيسية، وضد قضية عزل النائب العام وتعيين نائب عام يمثل الإخوان، وتحويل مجلس الشورى الذي لم ينتخبه سوى %7 من الشعب المصري إلى مجلس نيابي يشرع للأمة بعد أن عين فيه 90 عضوا، فأصبح مجلسا للإخوان.
بعد اتخاذ تلك القرارات وبعد محاصرة ميليشيات الجماعة مدينة الإنتاج الإعلامي لإرهاب الإعلاميين المعارضين لفكرهم وقتلهم الإعلامي الحسيني أبو ضيف لأنه سجل بكاميرته دلائل تزويرهم واعتداءاتهم، واقتحامهم مقر حزب الوفد وجريدته وجريدة الوطن. وحاصرت ميليشيات أخرى دار القضاء لإرهاب القضاة، دعا الرئيس إلى الحوار الوطني بشرط عدم الطعن بتلك القرارات. إذاً فما جدوى الحوار؟ إنه لتخفيف الاحتقان الداخلي وتخفيف الضغوط المقبلة من الخارج المطالبة باتباع سياسة أكثر ديموقراطية، حتى يسود الهدوء ومن ثم يتمكن الإخوان من السيطرة على الدولة وتنفيذ أجندتهم التي ينوون تنفيذها.
لقد أثبت الإخوان خلال الفترة القصيرة التي قضوها في الحكم أنهم لا يلتزمون بوعودهم وأنهم يعملون عكس ما يقولون. يخرجون على الفضائيات ويستنكرون من يصفهم بالكذب وحب الاستحواذ على السلطة وإقصاء المعارضة، ويدعون أن خلقهم ودينهم لا يسمحان لهم بذلك.. ان اغلبهم يكذبون ويعرفون أن الجماهير تعرف أنهم كاذبون ولكنهم لا يبالون بمشاعر الجماهير. وكم ظهر قادتهم يتكلمون وكأنهم الجهة صاحبة القرار في الدولة. فأعلن المرشد ونائبه خيرت الشاطر إصرارهما على المضي قدما في الاستفتاء على مشروع الدستور غير التوافقي، واتهما أطرافا أخرى بالضلوع في مؤامرة على الشرعية. وأكدا أنهما لن يسمحا بالانقضاض على الثورة. وقال عصام العريان القيادي في حركة الإخوان متحديا المعارضة إنه حتى لو سقط مشروع الدستور في الاستفتاء فإن هذا لن يغير شيئا لأن الجمعية التأسيسية المقبلة التي ستتولى إعداد الدستور ستكون الجمعية نفسها التي أعدته. مما يؤكد أن ذلك الدستور هو دستور الإخوان ولن يصغي لصوت المعارضة أو يدخل في حوار جدي مع الأطراف الأخرى.
بعد هذه التصرفات والقرارات المروعة الصادرة من جماعة الإخوان والمقصود منها تمكينهم من الاستيلاء على مفاصل الدولة وتدمير مؤسساتها التي لا تخضع لأوامرهم. كتدمير مؤسسة القضاء ومحاربة استقلاله، وتكوين قضاء يخضع لأوامر الجماعة ويتخلى عن استقلاله. يرضى بعزل النائب العام ويرضى بنائب عام ومحام عام يعينهما مكتب الإرشاد. كما تؤكد كلمة المرشد التي انتقد فيها قادة الجيش عندما قال «ان جنود مصر طيبون لكنهم بحاجة إلى قيادة رشيدة توعيهم بعد أن تولى أمرهم قيادات فاسدة»، فإنه يعني أن يخضع الجيش لأوامر المرشد بدلا من القادة العسكريين. لتدُمر عقيدة الجيش الوطنية. فالمصيبة أن مصر أهم دولة عربية ذات التاريخ المجيد أصبحت تحكم من تنظيم سري لا يعرف حتى الآن عدد أعضائه ولا مصادر تمويله ولا أنشطته. فحزب الحرية والعدالة هو الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين فيمكن أن يكون لهم أجنحة عسكرية وأمنية ومخابراتية. وقالت الكاتبة الأسبانية أولغار ودريجر لهذه الأسباب تشهد مصر ثورة حقيقية على جماعة الإخوان. وأدرك الشعب المصري الآن أسباب معاداة عبدالناصر والسادات ومبارك لهذه الجماعة وسيضطر إلى الاختيار بينهم وبين المجلس العسكري. (اليوم السابع 2012/12/14).
د. عبد المحسن حمادة
D_hamadah@hotmail.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق