(ناورو) دولة مستقلة وعضو في الامم المتحدة، جزيرة صغيرة قرب هاواي، فيها مناجم الفوسفات.. قبل ثلاثين عاما كانت من اغنى دول العالم حيث ازدهرت اسعار الفوسفات وتحول الشعب من الفقر المدقع الى حالة الغنى المرتفع، ومع صغر الجزيرة وعدد سكانها القليل صارت جزيرة «ناورو» من اغنى دول العالم والجزيرة بقيت بدائية، بدون بنية تحتية وبلغ البذخ بالمواطنين حتى امتلك كل فرد عددا من السيارات والقوارب واليخوت.. وصار مواطنو الجزيرة من أعلى سكان العالم دخلا ولم تبخل الدولة على مواطنيها بالخدمات الاستهلاكية، ولا توجد فيها ضرائب وعمل %95 من المواطنين في اجهزة الدولة.. وكان التعليم والخدمات الصحية بالمجان.. وأرسلت الدولة من لا علاج له من مواطنيها الى خارج بلادهم.. وحرصت الحكومة على تقديم الرعاية السكانية والكهرباء والتلفونات بأسعار مدعومة ورمزية للمواطنين وعاش افراد الحكومة والشعب في ترف وبذخ.
كانت هذه المعلومة ضمن محاضرة للدكتور محمد صباح السالم الصباح ألقاها على طلبته في كلية العلوم الادارية بجامعة الكويت في مساء 22 ديسمبر 2012 ونشرت المحاضرة جريدة (الكويتية) يوم الاحد 2012/12/23 في الصفحة الاولى.
وكانت الرواتب الحكومية عالية في هذه الجزيرة والدوام في القطاع الحكومي مريح كما يريد المواطن، ولا يحاسب ان حضر او غاب، وساعات العمل محدودة مع كثير من المرونة.. حتى أصابت التخمة معظم المواطنين من الاسراف في المأكولات والمشروبات، وما لم يتوفر في البلاد جلب من الخارج.
«كما هو عندنا في الكويت، تخمة وتعالج في الخارج، وامراض زيادة الوزن وامراض القلب، وفوضى العلاج بالخارج من وزارة الصحة ومجلس الوزراء والجيش والشرطة، ومن تدخلات مجلس الامة، وتلاعب المواطنين» ما بين القوسين اضافة من كاتب هذه السطور، لان مصير الكويت بدأ في الانحدار نحو هاوية جزيرة (ناورو).
ويمضي الدكتور الشيخ محمد الصباح فيقول: كانت حكومة (الناورو) قد وضعت جزءا من الميزانية للتنمية وتطوير الخدمات وجزءا آخر (للاجيال القادمة) وكان هناك جو من التفاؤل بأن المستقبل سيظل دائما مشرقا ومنيرا وما لم ينتبه اليه الشعب والحكومة هو ان اهم استثمارات البلد كانت تخضع لاعتبارات سياسية وليست اقتصادية، فعلى سبيل المثال لم تكن (ناورو) مناسبة اقتصاديا لتأسيس خط جوي خاص بها لكونها جزيرة نائية ومع ذلك فقد دفعت الحكومة اموالا طائلة لانشاء شركة خطوط جوية وطنية.. وفي عام 1993 استقال الخبير الذي اتت به الحكومة لادارة امتيازات استخراج الفوسفات بعد شهرين من تسلم منصبه بعد ان ادرك ان الفساد قد استشرى في الجزيرة، وجاءت الضربة القاصمة للظهر عند تدني اسعار الفوسفات والحكومة مستمرة في الانفاق العالي على الرواتب والخدمات المجانية ولتغطية العجز المالي، قامت الحكومة باستدانات عديدة، وعادت الدولة كما كانت من افقر دول العالم «وانتشرت السرقات في الحكومة والشعب والمؤسسات والاستثمارات الداخلية والخارجية» الاضافة بين القوسين من الكاتب، واجبر كبار المسؤولين على الاستقالات وقلت المداخيل والرواتب فاخذ الشعب ينساب في الشوارع لاقامة المظاهرات.
وتوقف الدكتور محمد ليرى هل وصلت لطلابه (الرسالة).. ومضى قائلا: اخذت جزيرة (ناورو) تعيش في اضطراب.. واضاف د. محمد: اثبتت الدراسات العلمية ان النفط يمكن ان يخلق ظروفا للمجتمع تجعله ينحرف ويستشري فيه الفساد، وكشف هذه الدراسة في ظل ضعف المؤسسات الرسمية ستكون علاقة قوية بين زيادة اسعار برميل النفط وزيادة الانحراف في الاداء الحكومي وارتفاع معدل الفساد، والاعلام يسلط الضوء على الخلل والفساد في جسد الدولة وضعفت مؤسسة التعليم، اساس الثروة البشرية، والخطأ ناتج من حكومات متعاقبة، فامتدت النفقات الاستهلاكية على حساب المستقبل.. وقال د. محمد بعد ذلك: هل نضيع وقتنا بعد ذلك على اللبن المسكوب وماذا نعمل حتى لا ينتهي بنا المطاف الى حيث انتهى بسكان جزيرة (ناورو)؟
«لذا اتسعت دوائر السرقات حتى اخذ يردد الكثير: ان سرقة الحكومة حلال، والشاطر من يحسب لما بعد الانهيار، حتى قالوا لمن نهب وسرق انه لص شاطر عرف يبني مستقبله» ومعذرة للدكتور محمد صباح السالم على ما وضعته بين الاقواس من اضافة.. هذه رسالة من استاذ اكاديمي للكويت خبر الاوضاع وحاول اصلاحها مرارا ثم نأى وعاد الى التدريس الجامعي، لعله يبث نذره الى من يصغي اليه، بعد ان وقرت آذان من وجه اليهم النصح.. وقد يقول كما قال دريد بن الصمة:
أَمرتهم أمري بمنعرج اللوى
فلم يستبينوا الرّشد إلا ضحى الغد
وهل أنا الا من غُزية إن غوت
غويت وان ترشد غزية أرشد
عبدالله خلف
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق