من يطلع على مقترح قانون «الهمز واللمز» الذي تقدم به النواب نبيل الفضل وعبدالحميد دشتي ونواف الفزيع ويعقوب الصانع ومبارك النجادة لا بد أن يصل إلى نتيجة مفادها أن مقدمي هذا المقترح يبدون كما لو كانوا ملكيين أكثر من الملك نفسه، فالحكومة بذاتها لم تتقدم بهذا المقترح، فلماذا يأتي هؤلاء النواب ليقدموا مثل هذا المقترح المعيب الذي يغلظ العقوبة لمن يعيب على ذات الأمير أو صلاحياته، من السجن لمدة لا تتجاوز خمس سنوات ليجعلها لا تقل عن خمس سنوات ولا تتجاوز خمس عشرة سنة؟ هذا التحصين المبالغ فيه يتنافى مع طبيعة النظم الديمقراطية التي تؤكد على حرية النقد ومساواة جميع أفراد المجتمع، حكاما ومحكومين، أمام القانون. أما من الناحية الشرعية فلنا في موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب خير نموذج على التعامل مع المعارضين والمتطاولين، فعندما جاءه أحد أصحابه بأحد الأشخاص وهو موثق اليدين وقال للإمام علي: آذن لي أن أضرب عنقه يا أمير المؤمنين فإنه يسبك، فلم يأذن الإمام علي له بذلك، بل قال: «إنما هو سب بسب أو عفو عن ذنب».
الأخطر من تشديد العقوبة في قانون «الغمز واللمز» أنه يحاسب على النوايا عندما يعاقب حتى على التلميح والغمز واللمز، وهو ما يفتح الباب واسعا لتأويل الأقوال وتحميلها أكثر مما تحتمل، مما يجعل قانون «الغمز واللمز» سيفا مصلتا على من يريد أن ينتقد الأوضاع العامة. من الممكن جداً أن يستخدم هذا القانون مثلا لمعاقبة من ينتقد وزيرا ما بحجة أن الوزير جاء بإرادة أميرية، وأن انتقاده يعد عيبا في اختيارات الأمير، وقد حصل بالفعل أن تذرع عدد من الوزراء السابقين بهذه الذريعة عندما كانت توجه لهم الانتقادات بالفشل وتدعوهم للاستقالة، فكان رد هؤلاء الوزراء أنهم حظوا بثقة الأمير، وهو ما يعني احتماء الوزراء جميعا بعباءة «الذات الأميرية»، ويمكن أن يتم التوسع في ذلك ليشمل كل المسؤولين الكبار من وكلاء وزارات ووكلاء مساعدين من الذين يتم تعيينهم بمراسيم أميرية، وعندها بدلا من أن يكون لدينا ذات مصونة واحدة يصبح لدينا ذوات كثيرة مصونة.
إذا كان من المقرر في القواعد القانونية أن الشك يصب في مصلحة المتهم فإن مقترح قانون «الغمز واللمز» يأتي ليؤسس لقاعدة قانونية جديدة تقوم على الشك والظن وتجعلهما مفتاحاً لمعاقبة الناس على الظنة والتهمة. الاختلاف مع من يمارس أسلوب الغمز واللمز في التعرض لسمو الأمير لا ينبغي أن يدفعنا للمبالغة في هذا المجال، وخاصة أن الحكومة لها سوابق كثيرة في التعسف في تطبيق القوانين من أجل التضييق على حرية التعبير، ولذلك ليس من الحكمة في شيء أن نعطيها الأداة للقيام بذلك. مقترح قانون «الغمز واللمز» يرسخ من الشكوك بأن المجلس الحالي سوف يكون مجلسا حكوميا طيعا، ولأن هذا المقترح معيب ويسبح عكس تيار الحريات فإنه لا بد من رفضه والتصدي له.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق