خالد الجنفاوي: عَلَّموا الناس كيف يعيشون لا كيف يموتون

“وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأرْض جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” (الجاثية 13).

ثمة فرق كبير بين من يحاول أن يخاطب عقلك ويحترم استقلاليتك كفرد وبين من يحاول أن يرهن قلبك بيديه ويدغدغ مشاعرك ويثير عواطفك. فالأول يرغب في أن يراك تعيش سعيداً تحيا حياة إنسانية طبيعية ومثمرة كما يفعل الآخرون. أما الآخر إما أنه يرغب في أن تصبح رهينته الى الأبد يتحكم برغباتك وبمشاعرك وبمخاوفك يثيرك متى يشاء ويهدئك ساعة يشاء, وإما أنه يرغب في أن يعلمك كيف تموت! فالأول يحترم عقلك واستقلاليتك ويتفهم رغبتك الطبيعية في أن تعيش مطمئناً ومنتجاً وتستشرف قدوم مستقبل أكثر سعادة وهناء, ولهذا فهو يبذل الجهد لإقناعك أن “الحياة الدنيا” مع انها “موقتة” وزائلة لكنها تستحق العيش فيها بأفضل الطرق والوسائل. فهو يحضك دائماً على أن تطور من أساليبك الحياتية ويريدك “أن تصبح إنساناً أفضل من ذي قبل” وهو بالطبع مختلف في توجهاته واهدافه عن ذلك الآخر الذي لا يرى فيك سوى ضعفك. ولا يكشف لك سوى عما يجعلك أكثر تردداً أو خوفاً من ذي قبل.
وقد يجادل البعض أن “الحياة الدنيا” لا فائدة ترجى من ورائها, فهي مجرد محطة ينتقل فيها الإنسان الى الآخرة ولهذا, وفق هذا الزعم, فيجب ألا يهتم الفرد كثيراً بحياته الدنيا وعليه أن يركز جل اهتمامه في الاستعداد للآخرة, ولكن كل ما هو بديهي حول الوجود الإنساني يؤكد لنا أن الحياة الدنيا هي بالفعل مفتاح للآخرة ولكنها تحمل أيضاً قيمة لا يستهان بها, فالله عز وجل سخر لنا ما في السماوات وما في الأرض حتى نستمتع به ونحيا حياة معتدلة ورزينة وأخلاقية ومنتجة تؤهلنا لترك كل ما هو إيجابي وما يمكن ان يستفيد منه أبناؤنا أو من يأتون بعدنا.
أنا كمسلم أعلم أنني سأفنى في يوم من الأيام, وأعلم كذلك ما يتوجب عليه فعله حتى أستعد بشكل مناسب لذلك اليوم المحتوم.ولكن الله عز وجل منحني العقل والحكمة لأعرف أن حياتي الدنيا يجب ان أعيشها بشكل إيجابي لا أؤذي كائناً من كان خلال رحلتي القصيرة نسبياً. وأبني حين يهدم الآخرون وأنتج حينما يتكاسل الآخرون, وأعيش حياتي بشكل كامل بينما يستمر بعض الآخرين في البحث عن أسهل الطرق للفناء والموت.

* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.