ناصر العبدلي: طبِّقوا القانون

عندما يكون القانون لصالحنا نصرخ بأعلى صوت طبقوا القانون، وعندما يكون ضدنا نصرخ بأعلى صوت أيضا، حتى لا يطبق القانون، وهي مفارقة عجيبة لا تجدها إلا في الساحة السياسية المحلية. وفي وسط تلك المفارقات، يثور جدل دائم، كيف يمكن الخروج من مثل ذلك الواقع، من دون أن يمس أحد امتيازاتنا التي نتمتع بها.
لا نغضب إذا منحنا مواد غذائية مجانا لمدة عام، رغم أن فاتورتها دفعت من المال العام، وعندما نسأل عن صحة مثل تلك الخطوة، وما إذا كانت قانونية أم لا، نصرخ بأعلى صوتنا «حتى لا يسرقه التجار»، وكأنما قدر المال العام، إما أن يسرقه بعض المتنفذين من خلال الباب الرابع (المناقصات)، وإما أن يلتهمه بقية المواطنين، من خلال البابين الثالث والخامس.
لا نغضب أيضا إذا منح كل مواطن ألف دينار أو ألفين من المال العام، رغم أننا نرفع شعار المال العام في كل مناسبة، ولا نعتبر مثل ذلك الإجراء هدرا لمواردنا المالية، المفترض بها أن تذهب للمشاريع الرأسمالية المنتجة، لتكون هناك الفرص الكاملة لتوظيف أبنائنا، وعندما نسأل عن قانونية مثل تلك الخطوة نصرخ أيضا «حتى لا يسرقه المتنفذون والحيتان»، وكأنما قدرنا أن نستنزف مواردنا ولا نترك شيئا لأولادنا وأحفادنا.
الحكومة «تهرول» خلف المواطن، تريد إرضاءه، حتى لو كان ذلك على حساب القانون والمال العام ومقدرات الدولة، سواء أكان ذلك المواطن تاجرا ومن المتنفذين، أم من البسطاء، فلكل ثمنه، فالتاجر يحصل على حصته على شكل مناقصة أو أمر شراء مباشر، والبسطاء توزع عليهم الهبات، وكأننا في عصر الدولة الأموية أو العباسية، وتلك المؤسسات التي عمل على بنائها الآباء المؤسسون تحتضر، والدستور كل يقربه من مصلحته، حتى تمزق وأصبح أشلاء.
الحكومة أغدقت الأموال على المواطن، سواء أكان ذلك المواطن تاجرا أم من أصحاب الدخل المتوسط والمحدود، من أجل البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، والمواطن تعود على مثل ذلك السلوك، واعتبر كل ما يسقط في جيبه حقا مكتسبا له لا يجوز التنازل عنه، في حين كان يفترض بها أن تكون بعيدة النظر وصاحبة رؤية، لتجعل من كل مواطن مشروعا استثماريا قائما بذاته يحمل أعباء الدولة، لا أن تحمل أعباءه هي.
ما نراه اليوم ليس معركة الحفاظ على الدستور والمال العام، بل هي معركة كل طرف يرفع فيها شعار «عطوني ولا تعطوهم»، وكأنما البلد «كيكة» يريد كل طرف الاستحواذ عليها، وغاب عن الجميع أن التصرف بمثل ذلك الجشع، إنما هو في حقيقة الأمر تصفية لممتلكات الدولة، وبيع لأصولها وتاريخها القائم على العدالة وتكافؤ الفرص.
المواطن يرفض دفع فاتورة الكهرباء والماء والهاتف، رغم أنه يصرخ في كل مناسبة «طبقوا القانون»، والمتنفذ يستولي على أراضي ومرافق الدولة، ويصرخ هو الآخر «طبقوا القانون»، والحكومة تجامل هذا وتراعي ذاك على حساب المصلحة العامة، وهي في الوقت ذاته ترفع شعار المصلحة العامة، من دون أن تخوض في تفاصيله.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.