صلاح الفضلي: أنطوه إشارة خفيفة

يروى أن صديقين جاءا إلى بغداد في زمن العثمانيين لقضاء بعض الأشغال، ولم يكن في بغداد – في ذلك الوقت – فندق ينزل فيه المسافرون، فاحتار الرجلان إلى أين يذهبان.
فقال أحدهما للآخر «فلان.. أني راح أنزل بالجامع.. أنت وين راح تنزل؟ « فقال صاحبه: «أني عندي هنا أقرباء، راح أنزل عندهم»، فسأله: «شيصيرون منك»؟ فقال: «والله.. أبو البيت يصير ابن عمه نسيب بنت أخت مرت أبويا»، فقال له صاحبه: «هاذي صلة بعيدة وأخاف يتعاجزون منك»، فقال «إذا يتعاجزون مني وينطوني قد إشارة خفيفة، أخذ غراضي وأجي وياك بالجامع».
وبعد أيام قلائل، جاء ذلك الرجل وهو يحمل صرة ملابسه تحت إبطه فسأله صاحبه «ها.. أشوفك جيت بالعجل»؟ فقال الرجل «والله أنطوني قد إشارة خفيفة، افتهمت منها همه شوية متضايقين مني»، فسأله صاحبه «اشلون»؟ فقال: «أول يوم أخذوا مني اللحاف، قلت ما يخالف، الدنيا حارة، ثاني يوم أخذوا مني المخدة، قلت ما يخالف أنام على إيدي، ثالث يوم أخذوا غراضي وذبّوها بالدرب، عاد عرفت همه شويه متضايقين مني»، فضحك منه صاحبه طويلا.. وقال فيه: «كل هاي وما يحس، ويقول: انطوه إشارة خفيفة»؟!
هذا المثل ينطبق على الشخص الغافل أو المتغافل الذي لا يفهم الأمور على حقيقتها، مع وجود دلائل على كيفية سير الأمور، لأنه يريد أن تسير الأمور كما يريد.
هذا المثل ينطبق على نواب مجلس الأمة الحالي، فعلى الرغم من وجود مؤشرات وشواهد عدة «وإشارات خفيفة» بأن السلطة مستعدة «لفتح صفحة جديدة» مع المعارضة، والعمل بسياسة «عفا الله عما سلف» و«أحباب وتصافينا»، فإن غالبية نواب المجلس الحالي مازالوا مطمئنين إلى نوايا السلطة، ويعتقدون أن مجلس «الصوت الواحد» يمكن أن يستمر لأربع سنوات.
نحن لا نتكلم هنا عن تحليل نظري، ولكن نتكلم عن رسائل متبادلة وتحركات تجري خلف الكواليس لإعداد «طبخة ما» تنقل الواقع السياسي من الحالة المتأزمة التي هو فيها إلى مرحلة «المصالحة»، وبالتأكيد فإن أي مصالحة سيتم التوصل إليها، سوف تكون على حساب المجلس الحالي الذي سيكون الضحية.
«طبخة» المصالحة مازالت في مرحلة جس النبض، ولم يتبلور منها شيء محدد حتى الآن، لأن أي تحرك بهذا الاتجاه سينتظر ما يسفر عنه حكم المحكمة الدستورية بشأن دستورية مرسوم الصوت الواحد، والمتوقع خلال الشهرين المقبلين.
حالة الترقب التي تعيشها الأوساط السياسية لحكم المحكمة الدستورية وقناعة الكثيرين بأن المجلس الحالي «مجلس مؤقت» هي التي تدفع بالوزراء إلى عدم الاكتراث لنواب المجلس و«التعامل معهم بفوقية»، وقد تجلى ذلك في موقف كل من وزير الداخلية في جلسة «الانفلات الأمني»، وكذلك في موقف وزير المالية مصطفى الشمالي في موضوع إسقاط فوائد القروض، وأيضاً كان واضحاً تذمر العديد من نواب المجلس الحالى سراً وعلانية من تعامل الوزراء معهم، وعدم «تمشية» معاملاتهم، لأن الوزراء – بكل بساطة – لا يحترمون نواب «مجلس علي الراشد».
على نواب المجلس الحالي أن «يصحوا» من سباتهم وينظروا لحقيقة ما يجري من حولهم، قبل أن يجدوا «أغراضهم»، وقد رميت في الشارع، وعندها سوف يقولون «هسه افتهمت، لأن أنطوني إشارة خفيفة».
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.