ميلاد رسول الانسانية صلى الله عليه وسلم ليس مجرد حدث تاريخي، بل كان وسيبقى تجربة حية متجددة للارض ككل، وللانسان في اي زمان ومكان، فقد فرح الوجود كله بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من جماد ونبات وحيوان، فرحت الملائكة والجن، ومع ذلك يعتبر البعض ان الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم بدعة، حيث لم يثبت ان الصحابة والخلفاء الراشدين قد احتفلوا به، وهناك آراء تؤيد الاحتفال بهذه الذكرى العطرة الغالية، ولنتعرف على حجة المؤيدين واسباب المعارضين:
في كل لحظة
في البداية، يقول د.خالد السلطان عن حب النبي صلى الله عليه وسلم: ان الدنيا اشرقت بالنور التام يوم بعث فيها محمد صلى الله عليه وسلم وكان ميلاده يعتبر ميلادا جديدا للدنيا وما فيها، لأنه جاء بالخير من ربه والهداية والنور بعد بعثته صلى الله عليه وسلم، فهدى الله به اقواما كانوا في الظلال وزكى نفوسا كانت غارقة بالضلالات وقوم نفوسا عاشت على الاعوجاج وترك الامة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك.
ولا يشك منصف ان حب النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس الصحابة بلغ مبلغه متى لا يصل الى مثل هذا الحب احد كائنا من كان، ومع ذلك لم يجرهم حب الرسول صلى الله عليه وسلم لعمل امور لم تكن في حياته من اقوال او افعال مصطحبين معهم قوله صلى الله عليه وسلم «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار».
فلم يحتفلوا بذكرى مولده ولم يحزنوا في ذكرى موته ولم يحيوا يوم مبعثه ولم يمجدوا يوم هجرته، والسبب يعود لعلمهم بأن ذلك ليس دينا بل الدين منه بريء.
الجيل الأول
تعذر من تعذر يوم أراد ان يبرر الاحتفال بالمولد وغيره ان الصحابة كانوا منشغلين عن ذلك بالجهاد والفتوح وهذا عذر اقبح من ذنب، وذلك ان قائل ذلك يتهم الصحابة ومن بعدهم بأنهم لا يذكرون النبي صلى الله عليه وسلم ولا ايامه ولا اقواله وافعاله لانشغالهم، وهذا عين الافتراء والزور على الصحابة رضوان الله عليهم والسبب انهم اصحاب الجيل الاول الذين عاشوا نفس الرسول صلى الله عليه وسلم وانفاسه بل في كل لحظة من لحظات حياتهم يتذكرون الرسول صلى الله عليه وسلم ويتأسون به.
وعليه اقول: الامة اليوم ليست بحاجة الى يوم يذكرون فيه رسولهم وحبيبهم بل هم بحاجة في كل يوم ان يذكرونه وينهلون من معينه ويتربون على نهجه وطريقته حتى ينالوا النصر والتمكين والسؤدد والعز والغنى والنصر على الاعداء، اما ان نتشبه بأهل الكتاب والبدع فنضع يوم للميلاد ويوم للهجرة ويوما للبعثة ويوما للموت ويوما للانتصار ويوما للهزائم ويوما للاسرة ويوما للسلام ويوما للمعلم ويوما.. لا ننتهي، فضلا عن اننا نربي الامة على تقديس ما ليس بمقدس وتذكر المطلوب ذكراه في كل يوم بيوم فقط.
وعليه، ادعوا الجميع الى ترك هذه المحدثات التي ما عرفتها الامة الا اثناء الدولة الفاطمية التي أخرت الامة للوراء ولا حول ولا قوة الا بالله.
فلماذا لا نعمل برامج اعلامية على مدار السنة لذكر سيرته وحياته وجهاده وعلمه واعماله واقواله وبذلك نعيش نفس الجو الذي عاشه سلفنا. الاصول العقائدية
ويضيف م.داود العسعوسي موافقا الرأي د.السلطان إن من اعظم الاخلاق الشرعية المطلوبة من المسلم هي خلقه مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة كيفية التأدب معه بعد مماته، قال تعالى: (لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا).
ومن الاصول العقائدية عند اهل الاسلام وجوب معرفة معنى شهادة (ان محمد رسول الله) وهي: الاقرار بأنه رسول من عند الله تعالى، وانه خاتم الانبياء والمرسلين، وانه يجب علينا ان نطيعه فيما امر وان نبتعد عما نهى عنه وزجر، وان نصدقه فيما اخبر، وألا نعبد الله الا بما شرع وليس بالاهواء ولا بالبدع.
يناقض الشرع
الاحتفال بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم واتخاذه عبادة وقربة يناقض هذا الاصل تماما، ولذلك لا يشك من له ادنى علم بأصول الشريعة انه يدخل في باب المحدثات والبدع التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم امته بقوله «اياكم ومحدثات الامور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وذلك للاسباب الاتية:
بدعة
1- ان مثل هذه الاحتفالات لم تكن موجودة في الصدر الاول خلال القرون التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية وامرنا ان نسير على طريقها بقوله (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)، فالسلف الصالح لم يحتفلوا بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم وهم اكثر حبا له منا واشد اتباعا ومن يزعم غير ذلك فليأتنا بنص أو اشارة من علم تثبت ذلك، والقاعدة التي يجب ان يفهمها عموم المسلمين فضلا عن خواصهم «الخير كل الخير في اتباع من سلف والشر كل الشر في ابتداع من خلف».
2- ان منة الله على امة الاسلام انما كانت ببعثته صلى الله عليه وسلم لا بمولده، كما قال تعالى: (لقد من ّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من انفسهم) فما حصل الخير لهذه الامة الا بعد بعثته صلى الله عليه وسلم، اما قبل ذلك فقد كانت الأمة في ضياع، ولا يفهم من قوله هذا القول بجواز الاحتفال بيوم البعثة، بل هذا يرد عليه بما ذكرناه في النقطة السابقة.
3- ان مثل هذه الاحتفالات انما ابتدعها في اول الامر الفاطميون العبيديون تحديا منهم للنصارى كما زعموا فهم يقولون: اذا كان النصارى يحتفلون بميلاد المسيح ويتخذون هذا الاحتفال قربة لله فنحن اولى برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فأدخلوا في دين الله ما ليس منه وتشبهوا باليهود والنصارى واخذوا دينهم وقرباتهم منهم والرسول صلى الله عليه وسلم يحذرهم من متابعتهم ويأمرهم بمخالفة سنتهم وطريقتهم!
وجهان
وزاد، وتزداد هذه البدعة نكارة من وجهين:
الاول: ما احدثه فيها الناس من اشعار وقصائد ومدائح نبوية فيها التقديس والتأليه والاطراء المنهي عنه شرعا والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (لا تطروني كما اطرت النصارى عيسى ابن مريم).
الثاني: ما وقر في قلوب الكثيرين بسبب انتشار هذه البدعة – ان هذا شيء من صميم الدين بحيث لو منع او انكره البعض قامت قيامتهم واستغربوا من هذا الانكار زاعمين عدم حبه وتوقيره للنبي صلى الله عليه وسلم ونسوا ان حب النبي صلى الله عليه وسلم بطاعته واتباع سنته لا بإحداث البدع ومخالفة طريقته كما قال تعالى: (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله).
اقول: نعم نحن مطالبون بتوقير النبي صلى الله عليه وسلم واستحضار سيرته والتخلق بأخلاقه وامتثال أوامره لكن ليس في يوم الاتباع الصحيح
واحد فقط نتذكره ثم ننساه بقية العام ونخالف توجيهاته وآدابه، بل الواجب استحضار ذلك في قلوبنا طيلة حياتنا، فإن محبته صلى الله عليه وسلم تفوق محبة النفس والوالد والولد.
ما أحوجنا اخواني في الله ان نصحح العلاقة مع سنّة النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق تحقيق الاتباع الصحيح له والحذر من مخالفة هديه وهدي خلفائه فلسنا حقيقة بأحب له منهم فقد فدوه بالنفس والمال، ولكن لم يفعلوا ما فعله المتاجرون من هذه الأمة من الذين أدخلوا في الدين ما ليس منه فكدروا صفوه وشوهوا معالمه وأذهبوا نقاءه وصفاءه وصدق الله العظيم إذ يقول (وان تطيعوه تهتدوا) ويقول (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب الله) صدق الله العظيم.
إحياء لذكراه
أما د.يوسف الشراح فيستنكر من يقول ان الاحتفال بالنبي صلى الله عليه وسلم بدعة ويرد قائلا: فقد قرب شهر الربيع الذي فيه يوم بديع، فيه ولد الشفيع الحبيب صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وأهل الإسلام من عباد الله وأوليائه يحتفلون برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل يوم وفي كل وقت، ولكن الناس وعامة المسلمين يحتفلون به صلى الله عليه وسلم بشكل ملحوظ واضح عندما يقرب شهر ربيع الأول الذي فيه مولد النبي صلى الله عليه وسلم، فينشط محبوه وينشدوا في حبه، وبالمقابل يثبط كثير من السلفية الناس عن الاحتفال والفرح والسرور به، وتجدهم يقولون: ان الاحتفال به بدعة.
هو مولد المجد والهدى جميعا، ونحن ان احتفلنا بقدومه صلى الله عليه وسلم فلا نحتفل بذلك وحدنا، بل قد احتفلت به الكائنات وطفت نار العصيان عند المجوس، وبه أخمدت الفتن، وبه شيدت صروح مكارم الأخلاق، وبه نقل الله تعالى الناس من الظلمات الى النور، فكيف يكون الاحتفال به ضلالة أو بدعة أو حراما؟
جاء الشعراء جميعا ومدحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم حسان بن ثابت وعبدالله بن رواحة والعباس بن عبدالمطلب وكعب بن مالك رضي الله عنهم، وتوال الشعراء في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم جيلا بعد جيل، حتى جاء الإمام البوصيري رحمه الله بقصيدته «الكواكب الدرية» المعروفة بالبردة فساق أبياتها مدحا للنبي صلى الله عليه وسلم، فكانت من أعظم القصائد وأفخرها عبر التاريخ والعصور في مدح النبي صلى الله عليه وسلم والثناء عليه.
وهذه الأمور مما تزيد في حب النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن نعلم أنه لا يكمل ايمان المرء الا اذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب اليه من والده وولده ومن نفسه التي بين جنبيه والناس أجمعين، فإن كنا من المحبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلسوف نحشر معه يوم القيامة بإذن الله تعالى، كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق: «المرء مع من أحب».
فرسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة الله العظمى، وقد أذن الله لنا بالفرح والسرور بمولد ذلك الرحمة، فقال تعالى: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا)، وقد نقل الحافظ السيوطي في تفسير هذه الآية عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: «فضل الله: العلم، ورحمته: محمد صلى الله عليه وسلم».
مشروع في الإسلام
إن الاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو إحياء لذكراه، وذلك مشروع عندنا في الاسلام، فأنت ترى ان اكثر اعمال الحج انما هي احياء لذكريات ابينا ابراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام من مواقف مشهورة محمودة، فالسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمرات والذبح بمنى كلها حوادث ماضية سابقة، يحيي المسلمون ذكراها وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحياها وقال: «خذوا عني مناسككم».
وما يجري من قراءة القرآن وقراءة من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض خصائصه التي خصه الله تعالى بها وقراءة شمائله الكريمة والمعجزات التي تمت على يديه الشريفتين، وما يجري بهذه الموالد من عظة ونصيحة وتوجيه صحيح في إحياء سنته صلى الله عليه وسلم، ونسج القصائد والأشعار في مدح الاسلام ونبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، كل ذلك من المشروعات الدينية.
ولعل هناك من يقول: انه ترتكب المنكرات والمحرمات في هذه الموالد، بمثل تناول المسكرات ولعب القمار واختلاط بين الشباب والشابات، فنقول: نحن نحارب هذه الامور التي ادخلت تحت اسم الاحتفال بالمولد النبوي، وهي من المحرمات في الدين.
ثم ان هناك من يقول ان هذا الاحتفال لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام، فأقول: هذه ليست بحجة على تحريم الاحتفال بالمولد او منعه، ولا يوجد في الشرع ما يمنع من ذلك، وليس كل ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله حرام، ولو كان الأمر كذلك لأصبح جمع القرآن الكريم حراما والأذان الثاني في صلاة الجمعة حراما، وغيرها مما احدثه الصحابة والمسلمون من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لابد منه
ويؤكد الداعية والباحث العلمي في الموسوعة الفقهية عبدالله نجيب سالم ان الاحتفال بالمولد النبوي واجب ويقول: تثار هذه الأيام مسألة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بمناسبة حلول يوم الثاني عشر من ربيع الأول الذي يصادف يوم مولده صلى الله عليه وسلم.
والذي أراه ـ ابتداء ـ ان الاحتفال والفرح بمولده صلى الله عليه وسلم وإظهار البشر والسرور بذلك من الأمور الجائزة شرعا، المستحسنة طبعا، المألوفة عرفا. وأدعو المسلمين والمسؤولين في الكويت والعالم الإسلامي الى إظهار الفرح والبشر والسرور بمولد البشير
النذير صلى الله عليه وسلم، كما كانت عوائدهم وعوائد آبائهم وأجدادهم، وأخص بالدعوة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي عودتنا على رعاية الاحتفال بهذه المناسبة الكريمة وغيرها ان تهتم بالأمر أكثر فأكثر، وان تعيد العمل بما كانت عليه الأمور من قبل بالإعلان عن احتفال كبير يرعاه كبار المسؤولين، ويحضره كافتهم، ويشارك فيه القراء والخطباء والشعراء والعلماء وسائر المسلمين.
أدلة الجواز والاستحسان
أولا: إن يوم مولده صلى الله عليه وسلم من الأيام المشار اليها على وجه التبجيل والاعتبار في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، نرى ذلك في مواطن عدة مثل اختياره صلى الله عليه وسلم صيام يوم الاثنين من كل أسبوع لاعتبارات عدة، ففي صحيح مسلم من حديث ابي قتادة «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام الاثنين؟ فقال: ذلك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت، أو أنزل عليّ فيه»، كما نراه في ذكر ما خص الله أمه آمنة حينما ولدته «رأت أمي حين وضعتني سطع منها نور أضاءت له قصور بصرى» رواه ابن سعد وهو حسن.
ثانيا: ان الله سبحانه وتعالى ذكر صراحة ميلاد كثير من الأنبياء ونوه بما في مولدهم من معجزات أو أهمية، فها هو القرآن الكريم يفيض في ذكر مولد أبينا آدم عليه السلام وكيفية خلقه العجيبة، كما يعرج في مواطن عديدة على ذكر ميلاد موسى عليه السلام وتفصيلات رضاعه وحضانته ونشأته بصورة مفصلة، ومثل ذلك يفعل في سرد وتفصيل أحداث ميلاد عيسى عليه السلام، أفيكون بعد هذا الحديث عن ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا مستنكرا وبدعة؟!
ثالثا: في يوم مولده صلى الله عليه وسلم وقعت حوادث عظيمة تناسب مكانته وشرفه، وذلك معروف لأهل العلم، ونذكر ببعض تلك الحوادث فنقول إن منها: منع الجن من استراق السمع من السماء، ومنها اهتزاز ايوان كسرى، وانطفاء نار فارس التي يعبدونها، ومنها بشارات كثيرة من الرهبان والكهان، فيوم مولده يستحق ان يشار اليه كيوم عظيم حفل بأحداث جسام.
رابعا: إن مولده صلى الله عليه وسلم كان فيه من الخصائص النبوية ما يستحق النظر والانتباه ومن ذلك ان أمه لم تجد لحمله وحما ولا ألما، وذكر أبونعيم الحافظ في «كتاب الحلية» بإسناده ان النبي صلى الله عليه وسلم ولد مختونا.
خامسا: إن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والبشر بذلك كان سببا من أسباب الرحمة الإلهية ليس للمؤمنين بل حتى للكافرين فقد صح ان أبا لهب يخفف عنه العذاب كل يوم اثنين وهو في غمرات النار لفرحه بولادته صلى الله عليه وسلم واعتقاقه جاريته ثويبة التي بشرته بذلك، وان جده عبدالمطلب قد أظهر المزيد والمزيد من الفرح بولادته حينما حمله وقام يطوف ويقول:
الحمدلله الذي أعطاني
هذا الغلام الطاهر الأردان
قد فاق في المهد على الأقران
أعيذه بالبيت ذي الأركان
من شر كل حاسد وشاني
وان عمه العباس رضي الله عنه امتدح رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه فأشار الى مولده ونوره الباهر فيه فقال:
وأنت لما ولدت أشرقت الأرض وضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء وفي النور وسبل الرشاد نخترق
سادسا: لقد أفتى العلماء قديما وحديثا بجواز الاحتفال بيوم مولده صلى الله عليه وسلم، وبين أيدينا فتاوى الإمام ابن حجر والسيوطي وفتاوى الأزهر الشريف وفتاوى لجنة الإفتاء في دبي وفتاوى لجنة الإفتاء في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وغيرها كثير.. وها هو نص فتوى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
«لا مانع شرعا من المشاركة في إحياء مناسبة الهجرة النبوية، والمولد النبوي، والإسراء والمعراج، وغيرها بإلقاء المحاضرات الخاصة بموضوعاتها، ولا مانع من تخصيص أيامها من كل عام، ولا يختلف المولد النبوي في هذا عن سائر المناسبات الأخرى، شريطة عدم الاعتقاد بسنية إحيائها أو التعبد بها وإلا كانت من البدع المستحدثة وحينئذ لا تجوز، وانما يجوز إحياء هذه المناسبات لتذكير الناس بما فيها من أحداث عظيمة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، بشرط ان يكون الإحياء خاليا من المخالفات الشرعية»، والله تعالى أعلم.
الرد على المنكرين
ويرد الداعية سالم على المنكرين للاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: وهناك رأي لبعض الناس الذين ينهون عن الاحتفال بمولده ويشنعون على المحتفلين، ويقولون: انهم مبتدعة ضالون، ويسوقون بعض الشبهات والاستدلالات التي يؤيدون بها دعواهم ـ هداهم الله الى الحق ـ فلهؤلاء الاخوة الكرام نقول وبالله التوفيق:
أولا: لم نقل نحن ولا غيرنا ان الاحتفال بيوم مولده صلى الله عليه وسلم سنة مؤكدة او منقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانما نقول نحن وغيرنا: إن الاحتفال بمولده أمر مستحسن مباح، فيه فوائد كثيرة، وله شواهد عديدة، وهو داخل ضمن العادات الإسلامية الحسنة التي تحف وتحيط بالمفاهيم الإسلامية الأصلية فتؤيدها وتفندها وتخدمها.
ثانيا: ليس في الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم تقليد لأحد، بل هو أسلوب لإظهار الفرحة والسرور وتعظيم اليوم الذي عظمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان غير المسلمين يفعلون ما هو قريب من هذا أو مشابه له فليس معنى ذلك ان نترك كل ما يشابه أفعال الآخرين إذا كنا نفعله، لئلا يقال للمسلمين انهم يتبعون غيرهم!
فمثلا: إذا صلى النصارى في كنائسهم هل نترك الصلاة في المساجد لئلا يقال نحن نقلدهم، وإذا طور النصارى طباعة أناجيلهم والعناية بتجليدها وحروفها وألوانها أنترك ذلك في مصحفنا لئلا يقال لنا: اننا نقلدهم.. إن هذا أمر غير صحيح على إطلاقه.
ثالثا: ويشنع المنكرون للاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم بأن في الاحتفالات هذه تقوم منكرات واثام مثل الاختلاط المحرم شرعا، ومثل التلفظ بألفاظ غير شرعية وغير ذلك، فنقول نحن: إن إنكار المنكر متفق عليه ومأمور به، وإذا كانت هناك مخالفات شرعية واضحة لا خلاف فيها فكلنا ننهي عنها ونأباها، ولكن إذا كانت الاحتفالات بمولده صلى الله عليه وسلم منضبطة صحيحة ليس فيها إلا ذكر الله ورسوله والإشادة بالدين وتحبيب الناس فيه وتأليف قلوبهم عليه فما المانع من ذلك؟!
رابعا: صحيح ان الاحتفال بصورته وفي يوم الثاني عشر من ربيع الأول لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه، ولكنا لا ينبغي ان نتخذ ذلك دليلا على المنع من الاحتفال والنهي عنه، وذلك لأن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم انما يدخل في باب العادات والسلوك لا في باب العقائد فالأصل فيه الإباحة، وما لم يرد نص شرعي ينهى عنه فلا مانع منه، وعدم فعل رسول الله له ليس دليلا على النهي عنه، وإلا فكثير من الأمور العادية والتي درج عليها المسلمون لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه وبالتالي فهل هي محرمة منهي عنها؟! إن تقسيم علوم الدين وكتابة الحديث الشريف، وجمع المصحف، وإنشاء المدارس، وفرش المساجد وإغلاقها في غير أوقات العبادة.. و.. و.. أمور لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه.. أيكون ذلك ممنوعا ممقوتا؟!
خامسا: عدم ثبوت ولادته صلى الله عليه وسلم يوم الثاني عشر من ربيع الأول لا يعني المنع من الاحتفال أصلا، بل نعلم جيدا ان اعتبار يوم 12 ربيع الأول يوم مولده هو رأي الأكثر من العلماء، وهو ما جرى عليه عمل الأمة، وإن كانت هناك آراء أخرى في تحديد اليوم الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم فذلك كله بحث تاريخي موجود في بطون الكتب.. ومما يهون أمر الخلاف في يوم مولده ان يترك مجال الاحتفال مفتوحا في كل أيام شهر ربيع الأول بل أيام العام كله.
وقال في الخلاصة: لا مانع شرعا من الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم بل هو من العادات الإسلامية الحسنة التي تخدم الدين وتزيد محبة رسول الله في قلوب المؤمنين وهي بلا شك تغيظ الكافرين والمنافقين والجاهلين.
ويجب ان يهتم بها اهتماما شديدا من قبل أهل العلم والمسؤولين وجميع المسلمين كي لا تنحرف الاحتفالات بمولده صلى الله عليه وسلم عن هدفها الأصيل، ولا تشوش الممارسات الخاطئة وجهها النبيل.
رأي العالم ابن عثيمين
نرى انه لا يتم ايمان عبد حتى يحب الرسول صلى الله عليه وسلم ويعظمه بما ينبغي ان يعظمه فيه، وبما هو لائق في حقه صلى الله عليه وسلم ولا ريب ان بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا اقول مولده بل بعثته لانه لم يكن رسولا الا حين بعث كما قال اهل العلم: نُبئ باقرأ وأرسل بالمدثر، لا ريب ان بعثته صلى الله عليه وسلم خير للانسانية عامة كما قال تعالى: (قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض لا إله الا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون).
واذا كان كذلك فإن من تعظيمه وتوقيره التأدب معه واتخاذه اماما ومتبوعا والا نتجاوز ما شرعه لنا من العبادات لان النبي صلى الله عليه وسلم توفي ولم يدع لأمته خيرا الا دلهم عليه وامرهم به ولا شرا الا نبههم وحذرهم منه وعلى هذا فليس من حقنا ونحن نؤمن به امام متبوعا ان نتقدم بين يديه بالاحتفال بمولده او مبعثه.
رأي العالم ابن باز
لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا غيره، لان ذلك من البدع المحدثة في الدين، ولان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولم يفعله خلفاؤه الراشدون ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله على الجميع ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة، وهم اعلم الناس بالسنة واكمل حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومتابعة لشرعه ممن بعدهم وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، أي مردود عليه، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجز، واياكم ومحدثات الامور، فإن كل محدثه بدعة وكل بدعة ضلاله، ففي هذين الحدثين تحذير شديد عن إحداث البدع والعمل بها.
فتوى وزارة الاوقاف
لا مانع شرعا من المشاركة في احياء مناسبة الهجرة النبوية، والمولد النبوي والاسراء والمعراج وغيرها بإلقاء المحاضرات الخاصة بموضوعاتها، ولا مانع من تخصيص ايامها من كل عام، ولا يختلف المولد النبوي في هذا عن سائر المناسبات الاخرى، شريطة عدم الاعتقاد بسنية احيائها او التعبد بها، والا كانت من البدع المستحدثة وحينئذ لا تجوز، وانما يجوز احياء هذه المناسبات لتذكير الناس بما فيها من احداث عظيمة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم بشرط ان يكون الإحياء خاليا من المخالفات الشرعية والله اعلم.
المصدر “الانباء”

قم بكتابة اول تعليق