ظاهرة جديدة وغريبة عن مجتمعنا، وجميلة ورائعة.. ثلاثة وزراء شباب يتناغمون ويتحاورون ويتبادلون الحديث في لغة عصرية، وفي مكان عام، لم نتعود أن نرى فيها مسؤولين كبارا يقومون بخدمة أنفسهم فيها.. وفي مكان غير تقليدي وبعيدا عن مشاكل الوزارات والبيروقراطية، واستحالة لقائهم، وضيق الوقت وتراكم هموم ومشاكل الوزارات.
الوزراء حسب الحروف الأبجدية: أنس الصالح وزير التجارة والصناعة والشيخ محمد العبدالله الصباح وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء وزير البلدية، ونايف الحجرف وزير التربية وزير التعليم العالي، اجتمعوا في أحد المقاهي العصرية بمنطقة شرق.. وبعد أن أخذوا ما يريدون من مشروبات عبر الخدمة الذاتية اعترفوا أمام مجموعة من المغرّدين بوجود أخطاء في جهاتهم الحكومية وإجراءات تعسّفية روتينية قديمة يجب أن تنتهي وتواكب العصر.
وهذا الحوار المطلوب مع فئة الشباب من الوزراء الشباب بنظري قفزة واختراق لشكل الحوار التقليدي الذي لم يخرج عن المكاتب وأسوار الوزارات في لغة رسمية تغلفها المجاملات والوعود الخاوية.
هذا اللقاء الأول من نوعه لاشك أفرحنا.. لا لأنه سيحل كل المشاكل.. ولا.. لأنه بدا شكلا جديدا في التحاور مع شباب التويتر والتغريدات، الذين هم أيضا (أقصد مفهوم الشباب) كانوابطال التحركات العنيفة في مسيرات رافقها كثير من التخريب والفوضى.. وفي لغة شابها أيضا الكثير من سوء التعبير، والتمادي بحرية القول والانتقاد، وصلت إلى حد لا يتقبله المجتمع المتحضّر.
ومن الاسئلة الجميلة التي طرحت على الوزراء من أحد المغردين أو الحاضرين: ماذا عندكم حتى نثق بكم وبعطائكم في المرحلة المقبلة؟.. فرد عليه الوزير العبدالله: الأعمال التي نقوم بها، والتي سنقوم بها، لأنها هي التي ستقنع الشعب بالثقة في إطار التزامنا بالدستور والقانون.
هذا السؤال الرائع من شاب عادي هو بيت القصيد كله، وهو سبب نفور الشباب وخوفهم وقلقهم الواضح والباين للعيان أو الخافي داخل الصدور، والذي يظهر بأشكال من العنف او اليأس او السلبية او حتى البرود في التعاطي مع قضايا الوطن والمجتمع.
وما شهدته الكويت في الفترة السابقة من تعامل لم نعهده ولم نتعوّد عليه، ومن ظواهر مقلقة ومخيفة، أبطالها كلها الشباب.. بنظري سببها غياب الحوار معهم باللغة التي يتحدثونها، والتي يستمتعون بالتعامل معها.
فقد يكون الخطاب السابق خطابا تقليديا لم يعد يفهمه الشباب او يستوعبه كما نريد، لأن له لغة جديدة يحب أن يتحدث بها، وغير خافٍ علينا اللغة السريعة في التعاطي مع المعلومة عبر قنوات التواصل واستخدام مفردات قد لا نفهمها نحن من الأجيال السابقة لهم.. فكلماتهم جديدة، وقد تكون غريبة، وتعاملهم مع ردود الفعل التي قد نعتقد أنها ستؤتي ثمارها معهم، يأتي عكس ما نتوقع، الأمر الذي يؤكد أن هذه الفئة، وهي صمام أمان المستقبل، تحتاج إلى التعامل المتطور والمتجدد، وكان لقاء الوزراء الثلاثة معهم شكلا من أشكال التجدد المطلوب.
من شأن ما قاله الوزراء الثلاثة أن يبعث شيئا من الاطمئنان بنفوس الشباب في ذلك المقهى.. ومن الطبيعي أن يصدر هذا الاطمئنان منهم إلى كل الشبكة الممتدة بينهم وبين متابعيهم.. فيتلقون شيئا من هذا التطمين.. ولكن علينا العلم أن كل هذا الشباب إذا لم ير أو يلمس واقعا قريبا يؤكد ما بثه الوزراء من تطمينات، فإن الصورة لن تكون وردية.
هذا الشباب مستعجل في كل شيء: في كلامه وفي اتصاله.. وفي أحلامه والطريق لوصول إلى أهدافه.. وهذا كله يتطلب من الحكومة أن تتناغم معهم وتدير عجلتها بصورة أسرع، وأن تركز بشكل مكثف على إزالة معوقات عمل الشباب، لتسهيل وفتح كل بوابات العمل لهم في القطاعين العام والخاص.
من الرائع أن تستمر هذه اللقاءات مع الشباب وأن نركز عليهم قدر استطاعتنا.. فقادة المعارضة وقادة الموالين وقادة المهادنين وقادة المتخاذلين، لا يشكلون أي أهمية مثل هؤلاء الشباب.
اهتموا بهم.. تحدثوا معهم.. استمعوا إليهم.. احتضنوهم.. فهم الكويت الحقيقية.
برافو أنس.. وبرافو محمد.. وبرافو نايف، فقد خطوتم الخطوة الأولى باتجاه الشباب.. وبرافو مع تصفيقة عالية لصاحب الفكرة.. أيا كان.. وسامحوني على الميانة.
إقبال الأحمد
iqbalalahmed0@yahoo.com
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق