احداث الشغب والمظاهرات غير المرخصة تشكل نوعا من الاعتداء على الدولة المدنية، ولكن ما حدث امس في قاعة المحكمة المنعقدة للنظر في قضية مسلم البراك يعد بكل المقاييس اعلان حرب على الدولة المدنية.
والادهى من ذلك عندما نستقرئ بأن ما حدث كان مسبق الاعداد والترتيب وليس وليد اللحظة أو ناتجا عن استفزاز طارئ.
جلسة يوم أمس حضرها المحامون المدافعون عن مسلم البراك – وتخلف عن المشاركة معهم محمد الدلال لاسباب مبهمة وربما مخزية – حضروها وهم ينوون طلب الاجل للاطلاع والدراسة واعطاء مهلة للمحامين الجدد الذين انضموا لهم في هيئة الدفاع. وهذا من تكتيكات المحامين في اطالة امد القضايا وتأجيل الاحكام.
وهذا ما طالبوا به في الجلسة بما يؤكد ملامح الخطة.
ومن ثم فان حضور شخصيات سياسية ونواب سابقين، وأحمد السعدون الذي حضر لأول مرة في حياته لقاعة محكمة يوم أمس، كل هؤلاء كانوا للاستعراض و«الشو» وليس للحاجة او للاطلاع على سير جلسة معروف توجهها أو الاستماع لمرافعات لم تكن معدة اصلا.
والاخطر هو جلب هذه الاعداد وحثها على ممارسة الفوضوية بقصد وترصد لاشاعة الفوضى والارهاب الفكري على الجسد القضائي ورحابه. وما فعله هؤلاء من تصاريح بأهازيج وعبارات، شاهدها الجميع على اليوتيوب!.
ليس عندنا تحفظ او مانع ان يتعاطف جمهور مسلم معه ومع مصيره شبه المحتوم، ولكن لا مسلم ولا جمهوره يملك الحق في اشاعة الفوضى والتعدي على حرمة المحاكم.
واذا توهم البعض بان مسلم ضميرهم او انه البطل الفذ الفريد في تاريخهم، فهذا لا يجعله فوق القانون او فوق المساءلة والعقوبة ان فعل شيئاً مما يجرمه القانون، كما ان هذا البعض قطعا ليس فوق القانون ولا خارج نطاق العقوبة على اشاعة الفوضى ومحاولة ارهاب القضاء.
ولنا ان نسأل ماذا لو ان جلسة يوم امس كانت للنطق بالحكم على مسلم؟! ماذا كان سيفعل هؤلاء الاتباع من ممارسي الفوضوية ومن رتب لهم هذا التعدي على مرفق القضاء؟!
وماذا لو اصدر القاضي حكما بحبس مسلم يوم امس؟! هل لنا ان نتوقع الاعتداء الجسدي على القاضي وعلى رجال الامن ورجال القضاء كردة فعل مصطنعة؟!
اسئلة كثيرة واجاباتها مزعجة ومقرفة من التصرفات الفوضوية المناهضة للقانون. ولكنا نعتب على من يعتبرون انفسهم شخصيات سياسية وبالذات احمد السعدون الذي لا ينطق بحرف عتاب في وجه جمهور أتى بفعل اهوج ولم يدافع عن حرمة القضاء ولا هيبة المحكمة وهي تنتهك أمام عينيه المبحلقتين!.
قد نتغاضى عن اخطاء الجهلة والمنقادين ولكننا لا نغفر صمت من اقسموا على احترام الدستور وقوانين الدولة اكثر من مرة ثم وقفوا كالجمهور السعيد بانتهاك الدستور وتمزيق قوانين الدولة في قصر العدل.
نعم كانت المسرحية كلها مفتعلة وباخراج رديء لاستعراض تافه. ولكن وبافتراض ان ما حدث يوم أمس لم يكن مجرد «شو» فقط… فأين وزارة الداخلية؟!
الكل كان يعلم بموعد الجلسة. والكل كان يعلم بجيش المحامين الذين تبرعوا للدفاع عن مسلم، والكل شاهد تحريك الجماهير والمتظاهرين في محاولة اقتحام السجن المركزي عندما كان مسلم محجوزاً فيه. فماذا كانت تتوقع القيادات الأمنية في الداخلية بقيادة وكيل الوزارة ووزيرها؟!
هل كان عندهم ادنى تصور لما يمكن أن يحدث وما هي الاجراءات المعتمدة للحيلولة دونه؟!! أم انهم لم يكونوا يملكون الرؤية لاستقراء ما حدث أمس؟! ام انهم يظنون ان دور الوزارة لا يبدأ الا بعد الحدث وبعد ارتكاب الجريمة؟!
يا سادة اذا كان لديكم تحفظ على اطلاق وصف «الانفلات الامني»!. على الاحداث الماضية فما هو تعريفكم لما حدث أمس من شغب في قصر العدل؟!
انه الانفلات الأمني بعينه ومن «راسه الى كرياسه». ولقد فشلتم فشلاً ذريعاً في قراءة الاحداث وتوقع الحدث قبل وقوعه مع انه كان ينبض ويصرخ بقدومه.
اعتداء فردي مفاجئ على ضحية بريئة او حتى ارتكاب جريمة قتل في مكان عام تحت وطأة «حرارة اللحظة» قد لا تكون انفلاتا امنيا مهما تكررت. ولكن ما حدث امس في الجلسة دون وجود اي توقع له من وزارة الداخلية بوزيرها ووكيله يجعلنا نشعر لا بالانفلات الأمني فقط ولكن بانعدام الامل في ان يتحقق أي تقدم يذكر في اداء وزارة الداخلية بقيادة هذا الوكيل وذاك الوزير.
– مبارك صنيدح كتب يوم أمس «نقول لفلول مصر وفلول الكويت مرسي سيعبر بمصر الى الاستقرار وموتوا بغيظكم»!!
ولا نعلم من يقصد بفلول الكويت الا اذا كان يعني فلول كتلة الاغلبية المبطلة! ولكن المهم هو اننا نسأل مبارك صنيدح، ماذا لو فشل مرسي في العبور بمصر الى الاستقرار، فهل ستعترف بالخطأ وتعتذر، أم ستتظاهر بالحكمة من جديد؟!
ومن سيموت بغيظه قطعا يا مبارك هو من وصل الى ما لم يكن يحلم به ثم اضاعه، كما فعلت حدس وجماعة الاخوان عندنا، وكما سيفعل الاخوان في مصر.
أعزاءنا
لقد كان واجب وزارة الداخلية بوكيلها ووزيرها ان تستقرئ حضور وشغب جمهور مسلم فترسل قوات حماية لقصر العدل وقاعة المحكمة، ولا تكتفي بشرطييها المعتادين على حفظ الامن بين افراد وليس بين مجاميع فوضوية كمجاميع امس.
ولكننا نؤكد ان ما فعله هؤلاء من تصرفات غوغائية ليس في صالح مسلم البراك، وان ما قاله مسلم بعد فض الجلسة ليس في صالح جمهوره ولا صالح مستقبله ان بقي له مستقبل.
نبيل الفضل
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق