إبراهيم العوضي: تقرير الديوان وإهمال الحكومة

تتكرر مفردات الهدر والإهمال والتقصير والتلاعب وسوء الإدارة وغياب المسؤولية وضعف الرقابة وضياع المال العام في التقرير السنوي الذي يصدره ديوان المحاسبة في ما يتعلق بالحسابات الختامية لجهات ومؤسسات الدولة المختلفة التي تخضع لرقابته. تلك الملاحظات كانت وما زالت تلازم هذا التقرير الذي يهدف أولا وأخيرا إلى تحقيق الرقابة الفعالة على الأموال العامة، ليبرز السؤال المهم وهو ما جدوى تلك التقارير والميزانية الضخمة والكم الهائل من الموظفين وذلك المبنى الجميل الذي يحتضن أعمال الديوان إذا كانت الدولة والقائمون عليها غير واعين أو مهتمين بمخرجات تلك التقارير وما يحتويها من تجاوزات وما يمكن القيام به لتجاوز تلك الإشكالات وتلافيها على نحو فعال بما يحقق حماية الأموال العامة. فمصير تلك التقارير الضخمة وما تتضمنها من معلومات تفصيلية ودقيقة عن تجاوزات ومخالفات أضحى مكانها أرفف المسؤولين دون أن يحرك أيا منهم ساكنا للقيام بما يلزم لوقف هذا الهدر المخزي لأموال الدولة.
فقد نشرت جريدة القبس أخيرا جزءا من تقرير الديوان عن السنة المالية المنتهية 2011 / 2012 وما تضمنه التقرير من مخالفات جمة لا يتقبلها عاقل ولا منطق. فعلى سبيل المثال، بلغ حجم المبالغ غير مدفوعة والمستحقة التحصيل لجهات الدولة المختلفة حوالي 592 مليون دينار، وعليك عزيزي القارئ أن تتخيل ما يمكن أن يتم إنجازه بهذا المبلغ من مشاريع نحن بأمس الحاجة لها، علما بأن حصة وزارة الكهرباء والماء من هذا المبلغ وحدها بلغ 311 مليون دينار، ويمثل هذا المبلغ مقابل الخدمات التي تقدمها الوزارة والمستحقة من منتفعيها!. كما تضمن التقرير وجود شبهات حول صرف رواتب ومزايا لعدد من العاملين في جهات الدولة المختلفة ممن انقطعوا عن العمل لسنوات عديدة وإهمال حقوق الدولة من تنفيذ مرسوم ضريبة الدخل وعدم التزام وزارة المواصلات من تحصيل مبالغ مستحقة من شركات الاتصالات المتنقلة بما يتجاوز قيمته 25 مليون دينار. وقد احتوى التقرير كذلك تجاوزات مجلس الوزراء في محاولة التلاعب والابتعاد عن رقابة ديوان المحاسبة من خلال تجزئة بند شراء الهدايا التي تجاوز قيمتها 5 ملايين دينار خلال سنة واحدة إضافة إلى عجز وزارة الداخلية في تحصيل مخالفات تعود لمنتسبيها بما يتجاوز مليوني دينار.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد كلفت البلدية ميزانية الدولة مبلغا طائلا تجاوز 9 ملايين دينار كأعباء إضافية بسبب إلغاء طرح مناقصة النظافة وإعادة ترسيتها مرة أخرى، وقد كشف تقرير الديوان القصور في متابعة الموظفين مما تسبب في إهمالهم في أداء مهامهم وواجباتهم الوظيفية بالإضافة إلى وجود شبهة التزوير واستغلال الوظيفة، وعجزت كذلك مؤسسات الدولة المختلفة من إنجاز وتنفيذ عدد من مشاريع الخطة السنوية عن السنة المالية المذكورة. كما شمل التقرير عجز وزارة الأشغال عن فرض غرامات التأخير على عدد من المقاولين وتأخر وزارة الصحة عن إعداد قيد الرواتب مما صعب من التأكد من بند الرواتب وصحة استغلالها. واستمر مسلسل الإهمال والتقصير والتنفيع في ملف العلاج بالخارج، حيث أوضح التقرير أن كثيرا من الحالات تم إصدار الموافقة على إرسالها للعلاج بالخارج دون وجه حق كما تم رفض العديد من الحالات المشابهة بحجة توافر العلاج داخل المستشفيات المحلية. وشمل التقرير ايضا قيام عدد من وزارات الدولة بتجزئة الأعمال الإنشائية والعقود المتنوعة للنأي بها عن رقابة ديوان المحاسبة المسبقة منها أو اللاحقة.
تلك المخالفات والملاحظات التي تطرقت لها في هذا المقال، وهي جزء مما جاء بالتقرير، لم تكن وليدة الصدفة أو حديثة العهد، فقد جاءت مرارا وتكرارا في تقارير الديوان المتعاقبة دون أن يقابلها أي تحرك حكومي أو إجراء رقابي للحد من تلك التجاوزات العديدة التي لو ظهرت في دول أخرى لأسقطت حكومات وحوسب من خلالها المسؤولون عن تلك المخالفات التي ساهمت في هدر الأموال العامة. فعلى الرغم من وجود ديوان المحاسبة ووجود سلطة رقابية من خلال مجلس الأمة وهذا هو واقع حالنا، فماذا سيكون مصيرنا في حال تفردت الدولة ومؤسساتها بأموال الشعب ومقدراته؟

boadeeb@yahoo.com
المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.