نشر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) في يناير المنقضي تقريرا خاصا عن التكامل الإقليمي والاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصادات النامية والصاعدة. وقد بين التقرير أن رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في منظومة بلدان مجلس التعاون قد تضاعف عشر مرات خلال العقد الأخير من الزمن، وأن الاقتصادين السعودي، ثم الاماراتي، قد أستأثرا بأهم حصتين من هذا الاستثمار.
وأوضح التقرير أن قيمة الاستثمار الأجنبي في منظومة هذه الدول قد ارتفعت من نحو مليار دولار سنوياً فقط خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي إلى مبلغ قياسي هو 60 ملياراً في عام 2006.
وركز التقرير على الاقتصاد السعودي، وهو الأنشط في استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة على مستوى منطقة غرب آسيا. وخلص الى أن ما عزز جاذبية هذا الاقتصاد وبعض اقتصادات دول المجلس الأخرى هو سياسة فتح الأنشطة الاقتصادية الرئيسية أمام هذا الاستثمار، وسياسات تحفيزه وتشجيعه التي وضعتها حكومات هذه الدول، وتزامنت مع الارتفاع الكبير في أسعار النفط.
وسط هذه اللوحة الجميلة التي رسمها التقرير عن وضع اقتصادات عدد من دول المجلس، تقف الكويت في الظل اذ كان نصيبها من الاستثمار الخارجي في العقد الأخير هو الأدنى بين هذه الدول، وقد حافظت على موقعها كمصدر صاف لرأس المال، وربما يرى البعض أن الكويت، وهي تتمتع بوفرة في رأس المال، ليست بحاجة الى التوسع في سياسات تحفيز واستقطاب استثمارات أجنبية مباشرة، وهذه رؤية لا تأخذ في الاعتبار أهمية المزايا التي تنطوي عليها الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ومن أهمها نقل التكنولوجيا والمعرفة والابتكار، وفتح فرص التسويق الخارجي، وخفض هامش المخاطرة وحفز النمو الاقتصادي وتعزيز التنافسية.
ولعل من بين أهم المعوقات التي أدت الى تخلف الكويت في هذا الجانب معدل ضريبة الدخل الباهظة على أرباح الشركات الأجنبية التي كانت نسبتها 55 في المئة قبل عام 2008، ولم يتم تطبيق قرار تخفيضها الى 15 في المئة الا عندما أناخت الأزمة المالية العالمية بظلالها على الاقتصاد العالمي ومعه الاقتصاد الكويتي، الذي لم يوفق في معالجة تداعياتها وسلبياتها في الوقت المناسب، بل لجأ في مواجهتها الى سياسة مالية انكماشية في الجانب الاستثماري زادت الطين بلة.
وعلى أي حال، فان النسبة الجديدة لضريبة الدخل مازالت غير محفزة للاستثمار الأجنبي الذي يحظى باعفاءات شاملة في المناطق الحرة النشطة في دول المجلس الأخرى.
كذلك فان القانون رقم (8) لسنة 2001 في شأن تنظيم الاستثمار المباشر لرأس المال الأجنبي والذي استهدف تهيئة إطار تشريعي جاذب للمستثمر الأجنبي، لم يوفق في توفير الامتيازات والضمانات الكافية له، ولنا أن نتصور كيف تتوافر امتيازات مغرية في ظل الضريبة الباهظة المشار اليها أعلاه والتي بقيت سارية طوال سبع سنوات بعد صدور القانون. كما أن القانون لم يغير شيئا في المعوقات التنظيمية والإدارية الأخرى التي تعانيها بيئة الأعمال الكويتية عامة وليس المستثمر الأجنبي فحسب.
أخيراً وليس آخرا، أخفقت الجهة التي أنيطت بها صلاحية تطبيق هذا القانون، أي مكتب استثمار رأس المال الأجنبي، بسبب انعدام الخبرة والكفاءة والتأهيل والبيئة المحيطة، في تحسين مركز الاقتصاد الكويتي، كما فعلت السعودية مثلا التي حرصت على تحديث تشريعها الخاص بالاستثمار الأجنبي بالتشاور مع رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب، كما حرصت في عام 2000 على انشاء هيئة متخصصة ومستقلة للاستثمار ترعى شؤون المستثمرين الأجانب بالكامل من خلال أجهزة مؤهلة، دون الحاجة الى التعامل مع جهات رسمية أخرى. وقد نجحت تلك الهيئة في وصول السعودية عام 2010 الى المركز 11 عالميا في استقطاب الاستثمار وتنافسيته.
* أستاذ الاقتصاد – جامعة الكويت
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق