ما زلت أزعم أن الحراك السياسي في الكويت كان ولا يزال يرفع شعارات أؤمن شخصيا بالكثير منها، فمن ذا الذي يرفض شعارات كمحاربة الفساد والعدالة الاجتماعية بل وحتى الحكومة المنتخبة، وكانت لي شخصيا الكثير من المواقف التي سجلت فيها اتفاقي مع العناوين الكبرى للحراك في بداياته إذ قمت بالتوقيع على بياني الدفاع عن النائب فيصل المسلم في قضية اسقاط الحصانة عنه، والناشط السياسي خالد الفضالة في محاكمته في قضية الإساءة لرئيس الوزراء السابق، وكذلك بيان تأييد النائب السابق د. حسن جوهر لموقفه المؤيد لطرح الثقة في رئيس الوزراء السابق أيضا مع كل الاحترام لشخصه الكريم.
هذا من الزاوية السياسية، أما من الزاوية الاجتماعية، وعلى الرغم من تصدر بعض التشكيلات الاجتماعية للمشهد السياسي المعارض في الكويت حاليا، فلم يمنعنا ذلك من اتخاذ المواقف المشار إليها سابقا، بل اتخذنا من قلمنا وسيلة للدفاع عن التواصل الاجتماعي بين أبناء الكويت باختلاف توجهاتهم، وسجلنا مقالات عديدة ومقابلات تلفزيونية قمنا من خلالها ولا منة في ذلك على أحد – بالدفاع عن مختلف التشكيلات الاجتماعية ضد من تعرض لها بمنتهى الخسة والاسفاف، بل وانتقدنا ممن دخل على خط تأييد دعاة الفتنة وهمز ولمز من زاوية ازدواجية الجنسية وغيرها من قضايا تم استخدامها سياسيا كأداة ضغط وشحن وتأليب بشكل لا يمت للانصاف بصلة.
رغم كل هذا، وكلما استمر هذا الحراك، وجدته ووجده الكثيرون غيري غير معبر عن روح اصلاحية حقيقية، تستلهم قيم العدالة والمساواة والمواطنة الكاملة للجميع، ناهيك عن قيم غاية في الأهمية كتغيير مفهوم الدولة الريعية والتركيز على قيمة العمل والانتاج وخدمة الوطن كعوامل أساسية للمطالبة بمشاركة سياسية أكبر في رسم سياسات هذا الوطن واقتسام ثرواته، فالشعارات ما فتأت تطالب بالمشاركة في الحكم والثروة، في ظل مطالبات للكثير من النواب السابقين المؤيدين للحراك بالمزيد من مشاريع القوانين ذات الطابع الاستهلاكي المرتكزة على توزيع «كيكة» الوطن بين الناس بشكل لا علاقة له بتعزيز الانتاج، وكأنما القضية لا تعدو إعادة توزيع إيرادات الدولة على المواطنين بشكل هزلي ولا يتم حتى في أكثر النماذج الشيوعية تطرفا في العالم!
أبشع ما في الحراك هو وجود جوقة من المتسلقين، الذين قاموا بركوب الموجة لتعزيز ثقافة الكراهية وتعزيز الانقسامات الاجتماعية في هذا البلد الصغير، فعمدوا لتأكيد سبقهم وأولويتهم في الحق في الانتساب لهذه الأرض بالتعرض لشركائهم في المواطنة من زاوية الأصول والمذاهب، في مفارقة مخزية، فبينما يتذمرون من تعرض من يسمونهم بحلفاء السلطة لهم ولتشكيلاتهم الاجتماعية، يقومون بالفعل نفسه تجاه غيرهم بمنتهى الخفة والاستعراض، متجاهلين – أو غير مكترثين – للأزمة الأخلاقية التي وضعوا أنفسهم فيها ولانعكاساتها على السلم الأهلي والترابط الاجتماعي في البلاد.
آخرون، نسمع عنهم، خصوصا أؤلئك الـ«مشكلجية»، ممن وجد في الحراك متنفسا للخلاص من تبعات وظيفية أو اجتماعية معينة، قاموا باستغلال الحراك من أجل التصعيد ضد دوائر معينة في محيطهم الإداري أو الاجتماعي، فأخذوا باتهام الدولة ممثلة في مسؤوليهم المباشرين أو غيرهم بتقصدهم بسبب مواقفهم السياسية أو انتماءاتهم الاجتماعية أو غيرها، محاولين بذلك استدرار تعاطف البعض بطريقة تثير الشفقة والامتعاض في الوقت نفسه، ولا يهم حينها صحة انتمائهم للتشكيل الاجتماعي الذي يدعون الانتساب إليه من عدمه، فالمهم هو الإثارة، والإثارة فقط!
أؤلئك هم من أسميهم… «المتراقصون على انقساماتنا وجروحنا»…»
وهم الأسوأ!
د. سليمان ابراهيم الخضاري
Twitter: @alkhadhari
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق