الذين قاطعوا الانتخابات اختاروا طواعية ان يعتزلوا السياسة. لأن السياسة، كما اراد لها، مع الأسف، اصحابها هنا، تم حصرها في مجلس الامة وفي الانتخابات البرلمانية. حتى انتخابات المجلس البلدي رغم اهميتها ودلالاتها بقيت ولا تزال بعيدة عن اهتمام الساسة والسياسيين اللهم الا بعض الهواة الذين اختاروها كخطوة اولى نحو البرلمان. الآن ليس هناك مجال لهؤلاء المقاطعين للعودة الى الاضواء السياسية إلا من خلال باب واحد وهو باب المشاركة في الحكومة.
مجلس الامة سيكون صعبا حله. فمهما كانت السلطة مضطرة او منعزلة، كما يتوهم المقاطعون، فانها لن تضحي، لا بأعضاء المجلس الحالي ولا بالناخبين الذين ابدوا تعاطفا مع النظام وولاء خاصا لصاحب السمو ولمرسوم الصوت الواحد. حل مجلس الامة في نظري سيكون انتحارا سياسيا ليس من المتوقع لأي عاقل ان يقدم عليه، خصوصا انه يستبدل الموالين بالعاقين والمتمردين. لهذا فان الطريق الوحيد لعودة المقاطعين الى عالم السياسة تبقى من خلال اعادة تشكيل الحكومة، وهو امر سهل وتكلفته مقبولة ومقدور عليها ان اتفقت الاطراف.
تاريخيا..حدث مثل هذا بعد انتخابات 1970. فقد قاطعت قوى ومجاميع حيوية هذه الانتخابات، بل هي المجاميع التي دعاها رئيس الحكومة والمسؤول عن العهد في ذلك الوقت المرحوم الشيج جابر الاحمد الى المشاركة في السياسة والعودة الى الاسهام في خدمة البلد «ان هناك العديد من المواطنين الذين ساهموا في بناء الكويت بسواعدهم واموالهم قد آثروا البقاء بعيدين عن المجالس التشريعية، لسبب او لآخر، بينما المصلحة العامة تتطلب وجودهم في هذه المجالس».
هذه القوى التي اعتزلت السياسة وقاطعت النظام كان لها دور واسهام في ماضي البلد، بل حاضرها ومستقبلها ايضا. النظام وجد نفسه معزولا وتائها بسبب هذه المقاطعة رغم الثروة النفطية ومصادر الدخل التي توافرت له بمعزل عن هذه القوى او غيرها. ورغم ان هذه القوى لم تخرج في تظاهرات ولم تلجأ الى اضرابات او استعداء المجتمع الدولي على السلطة والنظام، فان المسؤول عن العهد وقتها اعترف بان الصالح يتطلب وجودها في مراكز القرار. حتى بعد دعوتها للمشاركة فضلت هذه القوى الاستمرار في المقاطعة والضغط اكثر على السلطة من اجل تعديل النظام الانتخابي وتوفير اجواء اكثر عدالة وديموقراطية للصراع الانتخابي. لكن مشاركة القوى الوطنية الاخرى في الانتخابات وقبولها بالوضع الذي اختلقته السلطة اضعف موقف هذه القوى رغم انه لم ينل من قوتها وقدرتها.
لهذا وبعد نتائج الانتخابات، التي قاطعتها غرفة التجارة والقوى الوطنية المؤيدة لها، «اضطرت» السلطة الى افساح المجال امام هذه القوى للمشاركة بشكل اساسي في الحكومة كي تضمن مشاركتها واسهامها في الحياة السياسية. اي انهم قاطعوا البرلمان فاضطرت السلطة الى تعويضهم بالحكومة.
الآن… من الممكن تكرار التجربة و«احتضان» المقاطعين بتشكيل حكومة الانقاذ الوطني التي دعا لها مرارا البعض…لكن السؤال يبقى: هل مقاطعو اليوم بقدرات واسهامات ورؤى عبدالعزيز الصقر ومحمد عبدالمحسن الخرافي وحمود النصف، الله يرحمهم جميعا، وعبدالعزيز الشايع أطال الله في عمره، وهل السلطة بحاجة اليهم ام انهم هم المحتاجون اليها..؟!!
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق