يروى أن أحد الولاة في العصر العثماني قد فرض على بعض القبائل «جزة» صوف سنوياً كضريبة للدولة، وعندما ذهب الجباة لتسلم الضريبة من القبائل تمنع بعضهم عن دفعها لعدم اقتناعهم بأحقيتها، فأبلغ الجباة الوالي بذلك فاستشاط غضباً وأمر بأن يدفع كل من امتنع عن دفع الضريبة «جزة وخروفا» بدلاً عن الجزة، وإلا سوف يلقى كل من يرفض ذلك في السجن، وعندها اضطر الممتنعون أن يدفعوا الجزة والخروف، وقال أحدهم «اللي ما يرضى بجزة يرضى بجزة وخروف»، فذهب هذا القول مثلاً على من يستكثر القيام بأمر ما ثم يضطر للقيام بما هو أكثر.
هذا المثل ينطبق تماماً على السلطة في الكويت، فما لم تبادر السلطة بإيجاد حلول قليلة الكلفة عليها في الوقت الحالي فإنها سوف تجد نفسها مضطرة لدفع أثمان باهظة في المستقبل القريب،. تخطئ السلطة كثيراً إذا اعتقدت أن الأمور قد استتبت لها بمجرد أنها تخلصت من المجلس السابق وجاءت بمجلس مهادن طيع «حبوب» ما «يشمخ»، لأن من الخطأ الاعتقاد أن الأزمة مرتبطة بأحمد السعدون أو مسلم البراك أو غيرهما، لأن في ذلك اختزالا مخلا. المشكلة الحقيقية أن الأمور لم تعد كما كانت عليه في السابق، فهناك جيل مجتمعي شاب لا يقبل بما كان يقبل به أسلافه، جيل يرفض مقولة «الشيوخ أبخص»، وإذا كان الحراك الشبابي يبدو في الوقت الحالي مرتبكاً ومتخبطاً ويعاني الوهن لأسباب عدة أهمها أن كثيرا من النواب الذين ركبوا موجة الحراك «كلكجية» وفاقدو المصداقية في الدفاع عن الأمور التي يطالب بها الشباب، ولكن برغم ذلك فإن الحراك وبرغم المصاعب التي يمر بها سوف يجدد نفسه لأن الاستعداد موجود وأساس ذلك أن عقلية التفكير لدى شباب الجيل الحالي عقلية مختلفة تماماً عن عقلية الأجيال التي سبقته، وإذا كانت نسبة المطالبين بتغيير قواعد اللعبة السياسية في الحكم نسبة قليلة حالياً فإنها وبمرور الوقت سوف تصبح هي النسبة الأكبر وعندها سوف تكون الغلبة لها حتماً.
بدلاً من العيش في عقلية العقود الماضية والاكتفاء بتكتيكات بالية تقوم على الاسترضاء، على السلطة أن تعي أنها مطالبة بتقديم بدائل تخفف من الاحتقان وهو أمر ممكن تحقيقه بثمن قليل، ولكن إذا ظلت السلطة على ترددها واتباع طريقة النعامة فإنها سوف تجد نفسها مضطرة للتنازل عن أمور كثيرة بسبب سوء تقديرها على طريقة «اللي ما قدرها يغص فيها». وإذا كان لا بد من قرارات صعبة على السلطة أن تأخذها فالأفضل أن تبادر بها هي قبل أن تأتي من غيرها على قاعدة «بيدي لا بيد عمر».
نتمنى على السلطة أن تفكر بطريقة إستراتيجية تستشرف فيها المستقبل وأن لا تنظر تحت قدميها وأن تدفع «الجزة» اليوم عن طيب خاطر بدلاً من أن تجبر على دفع «جزة وخروف» غداً.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق