إبراهيم العوضي: أحياناً … الجهل نعمة

بعد نهاية كل أسبوع مليئة بالعمل، وما نعانيه كموظفين في القطاع الخاص من ارهاق بدني ونفسي، أجد نفسي سعيدا في قضاء هذه العطلة القصيرة بالقراءة ومشاهدة التلفاز وكتابة المقال الأسبوعي والجلوس بالمقاهي، وفوق كل ذلك عدم الاهتمام بالهاتف النقال والأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها وهي عادة جميلة، بالنسبة لي على الأقل، جبلت عليها منذ انضمامي للقطاع الخاص.
قصة قصيرة وجميلة قرأتها خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، جمعت بين شيخ دين ومحامٍ وعالم فيزيائي حكم عليهم بالاعدام، وعندما جاء موعد تنفيذ الحكم سألوهم جميعا ان كانت لديهم كلمة أخيرة أو وصية يوصون بها قبل اعدامهم. بدأت الحكاية مع شيخ الدين فقال ان الله وحده هو من سينقذني من هذا الحكم ولم ينطق بأي كلمة بعدها، فما كان بعد ذلك الا أن أنزلوا عليه المقصلة، وهي آلة حادة كانوا يقطعون بها رقاب المجرمين المحكوم عليهم بالقتل شاع استخدامها أبان الثورة الفرنسية عام 1789 م، الا أنها توقفت عند رأس شيخ الدين قبل أن تقطعه فأمروا أن يلغوا حكم الاعدام عليه لأن الله قد قال كلمته. جاء بعدها الدور على المحامي فقال قبل أن يعدم ان العدالة وحدها هي من ستنقذني وتوقفت كذلك المقصلة قبل أن تقطع رأسه وأمروا نتيجة لذلك أن يوقفوا تنفيذ حكم الاعدام لأن العدالة هي الأخرى قد قالت كلمتها. أخيرا، جاء دور عالم الفيزياء فقال أنا لا أعرف الله كشيخ الدين ولا أعرف العدالة كالمحامي ولكن كل ما أعرفه أن هذه المقصلة بها عقدة منعتها من أن تقطع رأس كل من شيخ الدين والمحامي! ونتيجة لذلك نفذ بحقه حكم الاعدام ولم ينجُ. عندها خطر ببالي بيت الشعر الشهير لأحد مفاخر الشعر العربي أبو الطيب المتنبي ويقول فيه : ذو العقل يشقى بالنعيم بعقله… واخو الجهالة بالشقاوة ينعم. فأحيانا يكون الجهل بالفعل نعمة!
وتذكرت كذلك حينها قصة رواها لي أحد الأشخاص فقال لي انه أصيب هو وصديقه بمرض مشابه بنوعه ومرحلة تقدمه ولم يكن هو يعلم بماهية المرض ومدى خطورته لأن أهله منعوا عنه ذلك بينما كان صديقه يعلم تماما ما به وما هي عواقب هذا المرض وتبعات علاجه. ذهبا هو وصديقه للعلاج بالخارج في آن واحد في إحدى الدول المتقدمة طبيا، كل على حدة وتلقى كلاهما العلاج، شفي هو بينما توفي صديقه مع العلم بأنهما تلقيا العلاج نفسه. يقول، صعقت عندما عرفت ما كان بي من مرض بعد أن استكملت رحلة علاجي الطويلة ولولا جهلي بمرضي لعانيت الأمرين أثناء فترة علاجي ولما شفيت لولا فضل الله وكرمه، فتيقنت أن الجهل احيانا قد يكون نعمة.
سبحان الله، أحيانا الجهل نعمة وأكبر دليل على ذلك جهل الغيب. فجهل الغيب من نعم الله الكثيرة التي كرم بها الانسان، هي نعمة تجعلنا دائما متعلقين بالله وبذكره وبالتقرب إليه وبأداء الفرائض والنوافل، نتوكل عليه وندعوه ونعبده لأننا بكل بساطة، لا نعلم عواقب أمورنا. نعم، فالجهل أحيانا نعمة!

boadeeb@yahoo.com
المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.