أحسب أن ثمة مفارقة بين المطالبة أو الدعوة لتطوير أدوات الديموقراطية توخياً للوصول إلى الديموقراطية الكاملة وبين المطالبة أو الدعوة لنسف المكتسبات التي تحققت في خلال الخمسين سنة الماضية.
إخواننا في كتلة الأغلبية المبطلة والذين دأبوا على الاعتراض وتحريك المسيرات وعقد الندوات والملتقيات أو الكتابة النقدية عبر الوسائل الإعلامية وشبكات التواصل الاجتماعي منذ أن صدر قرار إبطال مجلسهم وما زالوا، في حالة اهتياج وعدم الاتزان كما لو يفقد المرء عزيزاً عليه..!!
معلوم أن غالبية هؤلاء ليسوا من المستجدين على العمل السياسي، بل لعل من بينهم من سلخ سني عمره لاعبا منافحاً في الملعب السياسي لا يكل ولا يمل في المناورة والمنازلة حتى بات مدرسة في تفسيرات الدستور والقوانين ومرجعية لزملائه وطالبيه، لذلك كان مؤسفاً أن يخترق هؤلاء قوانين وأعراف اللعبة السياسية كما لو كانوا غافلين عن هذا، وينشئون طرقاً وأساليب بعيدة كل البعد عن أخلاقيات اللعبة، فلا أحد يختلف أن العمل السياسي يقوم على النقيضين اليمين واليسار بل لعل المعارضة هي ملح الديموقراطية. فلا ديموقراطية حقيقية بلا معارضة سياسية حقيقية.
لكن.. المعارضة إذا خرجت من الملعب السياسي وخرقت قوانين اللعبة، هذه المعارضة تتحول عند ذاك من معارضة عاقلة إصلاحية إلى معارضة مدمرة تخريبية أنانية تعطيلية همها فقط اكتساح الملعب والاستئثار به وحدها.
عندما صدر قرار المحكمة الدستورية القاضي بحل مجلس فبراير (2012) كان على المعارضة قبول القرار، فالقرار لم يصدر من جهة عادية وإنما صدر من أعلى سلطة قضائية، ولم تكن للمحكمة المبجلة أية مصالح خاصة لاعضائها بحل أو ببقاء المجلس بقدر ما هنالك اختلال دستوري وُجد على المجلس، الأمر الذي لم يكن ازاءه غير قرار الحل، كما وأن تعديل قانون الانتخاب والذي صدر وفقاً لمرسوم الضرورة في خلال فترة حل المجلس لم يصدر إلا لمقتضيات الضرورة التي حددها صاحب السمو الأمير حفظه الله ورعاه في خطابه التاريخي الذي سبق صدور المرسوم، وكان على الجميع تقدير الظرف ومقتضيات الضرورة التي حدت بتغيير قانون الانتخاب وتفضيل الصوت الواحد على أربعة الأصوات، ولعل صراحة القول تقتضي منا أن نشير إلى أن مرسوم التعديل وبغض النظر توافقه مع الضرورة الدستورية أو خلاف ذلك، لكن الضرورة السياسية قد اقتضت ذلك، والمعترضون والمعارضون للصوت الواحد أو للمرسوم لم يعترضوا لأن المرسوم لا يقتضي الظرف صدوره في غياب المجلس، وأن التعديل ينبغي أن يتم من داخل المجلس لا بمرسوم الضرورة، وإنما قضيت معارضتهم لكون الصوت الواحد لا يحقق لهم الأكثرية التي حققوها في المجلس المبطل..!!
من هنا نعتقد أن هؤلاء ما يسمون بالمعارضة انكشفوا على حقيقة أنهم كانوا يعملون لأمجادهم الشخصية ولأهداف لا تمت للحمة الوطنية، ولا استقرار الأمن الوطني، خاصة في ظرف سياسي عاصف يجتاح المنطقة..
وأغلب الظن لقد فقد هؤلاء الذكاء السياسي وما زالوا مستمرين في الخروقات والاعتداء على الدستور والقوانين فاقتحام قاعات المحاكم والدأب على المسيرات في المناطق السكنية والاعتداء على رجال الأمن والتعليقات الساخرة والجارحة عبر شبكات التواصل الاجتماعي على الخصوم السياسيين ورجالات الدولة وغير ذلك من التصرفات كل ذلك وغير ذلك لا يدل البتة على الاتزان والدفاع عن الحق، وإنما يدل على فقدان التوازن والإفلاس لذلك فدعوتهم أنهم مستمرون بالمسيرات والمعارضات إلى سقوط المجلس الحالي (مجلس الصوت الواحد) حتى لو صدر قرار المحكمة الدستورية بدستورية مرسوم الصوت الواحد، هذا لا يدل إلا أنهم فقدوا الصواب وفقدوا الاتزان، ووصلوا إلى طريق الإفلاس والضياع..!!
لذلك نسأل أين العقلاء من كتلة المعارضة، ألا يوجد بينهم رجل رشيد..؟!
حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق