«هيجان» شريحة من شرائح المجتمع لا يعني أبدا أن هناك مخاضا، وأن التجربة الديمقراطية قاب قوسين أو أدنى من تحقيق اختراق جديد على الساحة، بل هو مؤشر على أننا نقترب أكثر فأكثر من تقويض المشروع الديمقراطي واستبداله بآليات بائدة ومتخلفة تخلت عنها شعوب كثيرة، بعدما وعت خطورتها على المجتمعات وعرفت أنها البديل السيئ.
القضايا الوطنية، وخاصة تلك التي ترتبط ارتباطا جذريا بالدستور، بحاجة إلى إجماع وطني، وما لم يتوافر مثل ذلك الإجماع، فالأمر لا يعدو أكثر من «تمرد» سيصل إلى منتهاه اليوم أو غدا، ثم يتلاشى كما بدأ أول مرة، وهناك كثير من التجارب مرت بها الشعوب وكانت وبالا عليها، ولو عاد بها الزمن مرة أخرى فسوف تتجنب أن تمر بها مرة أخرى وتقع في الحفرة نفسها.
لا يمكن أن ننتظر مشروعا ديمقراطيا حقيقيا من كيانات اجتماعية متخلفة يغلب عليها طابع الفزعة والعاطفة مهما كان هناك حسن نية وتوجهات صادقة، ومن كان ينتظر من تلك الكيانات أن تكون بديلا عن الدولة الحديثة فهو مخطئ، وعليه أن يراجع حساباته جيدا قبل أن يتورط في ما يشبه الرمال المتحركة التي لا يمكن قياس مدى عمقها وقدرتها على ابتلاع كل ما هو جميل في مجتمعنا.
نحن في بلد كان وسيظل نموذجا للتعايش بين الطوائف والقبائل والعوائل، ويفترض بنا أن نسعى قدر الإمكان إلى الحفاظ على مثل تلك الميزة التي نختلف من خلالها عن بقية شعوب المنطقة، لا أن نجعل منها هدفا لتجاوز هنا أو «شطحة» هناك غير محسوبة العواقب، وعندها سنكون كمن خرب بيته بيده، ولن ينفعنا أن نبدي ندما أو نبكي على ما فات، فالقضية ستكون عندها انتهت إلى الأبد.
«هيجان» شريحة من شرائح المجتمع لا يمكن أن يفسر سوى أنه استهداف للبقية، وإشاعة مثل ذلك الشعور لن يخدم المشروع الديمقراطي، ولن يجعل منه إطارا يعمل من داخله الجميع كما يفترض به، بل سيكون مشروعا باهتا بلا روح تتبادل فيه الشرائح الاجتماعية الشك والتخوف والتربص ببعضها البعض، وهو أمر ينبغي ألا يحدث في بلد تميز عن غيره من البلدان بتماسك جبهته الداخلية.
الحكومة تتحمل جزءا من المسؤولية في عجزها عن تحقيق أي اختراقات تنموية تخلق بدائل للمواطنين على تصنيفاتهم وتشكيلاتهم كافة، بدلا من الانشغال ببعضها البعض كما يجري الآن، والقوى السياسية تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية لعجزها عن ملء الساحة السياسية واستقطاب الطاقات الشبابية وتوجيهها التوجيه الأفضل، وهناك جزء يتحمله بعض أفراد الأسرة الحاكمة ممن برعوا في تهييج الكيانات الاجتماعية من أجل مصالحهم.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق