1 : كمواطنة في منظومة دول مجلس التعاون الخليجي أتمتع بحرية الحركة ببطاقتي المدنية «مصدر عزّي واعتزازي».
لذا كان لي حظ التجول ولمدة أربعة أيام فقط ما بين (دبي) و(الشارقة) في محاولة جادة لغرس بذرة تعارف وجداني ما بين طرفينا أي أنا و(دبي) وأنا و(الشارقة) حتى نتمكن من فهم كل منا للآخر والقارئ العزيز يعرف انه قد يأتي إلى مدينة قد سمع عنها الكثير مما أغراه لزيارتها لكنه قد يفاجأ بأنها تغلق الأبواب في وجهه وقد يجد نفسه في مكان مجبراً على الإقامة فيه فيعشقه لسبب لا يعرفه.
لكني ورغم ضيق الوقت إلا أن المحبة بيننا لم تكن نبتة برية بل مؤسسة على زيارات قصيرة سابقة كان لكل منها نكهته الخاصة.. ونظراً للتعرض لأمواج التغيير التي تعصف بنا – أي دول الخليج – فإن المعالم تتغير مما يجعل التجدد والتجديد يكاد يلازم الصورة العامة وبهيئة أكثر بهجة في كل مرة – كما هو متوقع – وهذا عنصر هام من عناصر العلاقات المحبة أو غيرها.
لذلك اعتقد بأنني سوف أعشق (الشارقة) إذا اعتادت نفسي على دوائرها المرورية التي ساهمت في دوران رأسي كلما كانت هناك ضرورة لاجتيازها.
أما دبي وحتى تبقى العلاقة بيننا جميلة فسوف أتحاشى التواجد في ما يسمى (شهر التسوق) الذي يحرمني من متعة التأمل والتمتع.
ولأنني من محبي تصوير المدن بالنساء فإنني أرى في (دبي) حيرة المرأة ما بين المراهقة والشباب، فهي تنجذب لهذا فترة ثم تعود لذاك وبكل ما تحمل المراهقة وكذلك الشباب من حركة وألوان وتطلعات وأحلام.
أما الشارقة، فإنني أرى فيها المرأة التي أدركها الرشد، فصارت تمارس العقلانية والتفكير والمراجعة كسوابق لكل خطوة تحديثية تخطوها باتجاه مدرسة الحداثة وتختارها متلائمة مع معطيات وصفها السياسي والثقافي.
***
2 : لكن أطرف ما في رحلتي إنما كان الصعود إلى باص أو أتوبيس ولكنه يطير في السماء ويعبر الأجواء تحت مسمى (F.D.).
كان هذا من اختيار إبني (حسام) الذي أسلمته القيادة بشرط الراحة لسيقاني والتي اشتراها بمبلغ زهيد أضيف إلى سعر التذكرة ولا شيء آخر فلا صحف ولا مجلات ولا وجبات ولا ماء – إلا ما تأخذه معك أو تشتريه من الكانتين المتحرك في الممرات فكانت مأساتي الوحيدة هي التوقف عن القراءة لمدة ساعة ونصف الساعة لأن رفيقتي في الدرب (مجلة العربي) قد تركتها مع المتاع – القطعة الواحدة المسموح بها – وهكذا عشنا ساعة ونصف من السعادة ما بين الناس، كل الناس الغني والفقير الكبير والصغير فقلت لإبني (هذا هو مجتمع السواسية كأسنان المشط).
***
3 : لقد سبق لي أن ذكرت لكم شدة إعجابي بمجلة (العربي) لأنها تملأ فراغ العقل وفراغ القلب وتجعل الظلمة إلى نور وفي هذا العدد فبراير 2013 وجدتها تزداد روعة لأنه يصادف شهر العيدين الاستقلال والتحرير لذا فالوجبة كانت دسمة.
بدأتها كعادتي بصفحة الصديقة (سعدية مفرح) لتفاجئني باختيارها المناسب لهذا الشهر فكان الشاعر المرحوم عبدالله العتيبي وما زاد من روعة الموضوع اختيارات سعدية المنتقاة – على الفرازة – كما يقولون – لأشعاره التي توقظ القلب وتهز الوجدان وتتركك حالماً بصوره الشعرية الرائعة.
وفي صفحة النقد نجد الكويت في الذاكرة التاريخية والإبداعية للسياّب بقلم د.علي حداد (شاعر وأكاديمي عراقي) وهي وقفة تستحق كل التأمل والتلذذ مع الشجن.. ثم ويكتب غازي أبو عقل (كاتب من سورية) عن المعري في مرآة بدوي الجبل (محمد سليمان الأحمد).
أما الربورتاج لهذا العدد فإنه ينبئ بأن العربي تعرف كيف تعطي خبزها لم يتقن خبزه، الموضوع (سوق المباركية بين جيلين) فرغم كويتيتي إلا إني لم أقرأ كلاماً بمثل هذه الجودة والجاذبية مثلما قدمه لنا صاحب (ساق البانبو) المبدع حقا سعود السنعوسي وخاتمته الرائعة بلقاء الكاتب الكبير خليفة الوقيان.
هذا قليل جداً من كثير تقدمه (العربي) أتمنى عليها أن تصدر فصلية بدلاً من شهرية حتى نتمكن من الاستيعاب.
فاطمة حسين
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق