مسيرة المعارضة الاخيرة واستقرارها لدى ديوانية مسلم البراك واضح أنها تختلف عن جميع المسيرات السابقة كونها جاءت على خلفية قرار قضائي.
فالمسيرة تختلف لأنها رسالة احتجاج على قرار المحكمة، وهو موقف سياسي خطأ وبحد ذاته إدانة لمنظميها وجميع من شارك. فالمسيرة لم تعترض على مرسوم ضرورة أو تشريع في مجلس الامة أو تصرف حكومي.
نعلم أن السياسة في الكويت قد دخل ولوّث كل شيء، دخل في الطب والرياضة والعلم وحتى الجمعيات التعاونية. لكن مؤسسة القضاء بعيدة عن السياسة كونها هي من تملك الكلمة الأخيرة والفصل، فإن تدخلت الضغوطات واللوبيات السياسية فيها ضاعت وضاع معها البلد!
يضاف إلى ذلك أن المعارضة لم تتوقف عن المداهنة والازدواجية في تعاملها مع قضاياها الشائكة. فالقضاء هو نفس القضاء الذي صفقت له المعارضة قبل أشهر عندما استفسرت الحكومة عن دستورية الاربعة أصوات وجاء الرد كما أرادت المعارضة فأثنت للنتيجة والقضاء «النزيه». لكن التدارك أنه لا يجوز أن تكون نزاهة القضاء تُقاس بمسطرة مصلحة هذا الطرف أو ذاك ويجب أن يُقبل الأمر بحُلوه ومُرّه، فليس من الحصافة في شيء أن تقترب المعارضة من ساحة القضاء. لكن ومع الاسف نصيحة نعلم مسبقاً أنها لن تعيها آذان القوم!
لو رجعنا لحكم القضاء لرأينا المعارضة «والمحايد» يُقر بصحته. دعني أضرب لك مثلا على كل واحد. الاول هم أنفسهم المدانون وفي ليلة المسيرة تلك، يقول الصواغ والبراك بأن قرار المحكمة باطل لأنه غير مؤرخ. فالمسألة غير نافذة بحجة عدم وجود التاريخ! طيب ماذا عن أصل الحكم والادانة وصدور التهمة من المدانين؟ هل أجرموا بحق الدستور والقانون الكويتي أم لا؟ لسنا هنا في مناقشة الاجراءات، فالحديث عن أصل وجود الجريمة، وموضوعية الحكم على المدانين، فهل كان صحيحا أم لا؟ فطالما سكتوا عنه وتمسكوا بالبطلان بذريعة التاريخ، هو بذاته موقف ادانة وقبول بموضوعية الحكم!
أما المثال الثاني فمقالة للبروفيسور الدستوري محمد المقاطع الذي كتب حول الموضوع في اليوم التالي للحكم. لم يناقش الدكتور أصل ظهور المشكلة وصدور الكلام السيئ من أولئك، بل كل ما قاله في مقاله «العدالة الجنائية» أنه اعتبر ارتكاب الثلاثة للجريمة أمرا مسلما لكنه فقط انتقد قسوة الحكم! لهذا أقول دعونا عن القسوة كونها موضع تقدير القاضي والمقاطع (أيضا شخصيا أعتقد أن العقوبة مبالغ فيها)، لكن حديثنا ما زال يدور عن حقيقة ارتكابهم للجريمة، وهو ما لم ينكره المقاطع.
تبقّى شيء مهم لا بد أن أعيده. المعارضة تدعي أنها صاحبة مبادئ، وأهم ما في صاحب المبادئ أن يقف عند مبادئه. لذا وعند صدور الاساءة، فهم أمام هذه الخيارات: إما أن يقرّوا بالذنب ويتراجعوا ويعتذروا ويشعرونا بتأنيب ضميرهم لما فعلوه وأنهم كانوا في حماسة زائدة، أو يقروا ولكن يقنعونا بأن كلامهم حُمّل ما لا يحتمل (ولا يتحججون ببطلان الحكم بسبب التاريخ)، أو أن يعترفوا بذنبهم ويقروا ويقفوا عند مبادئهم وليدفعوا ثمن موقفهم بشجاعة!
hasabba@gmail.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق