في الصراع الدائر اليوم بين كل معارضة ونظامها السياسي في موجات الربيع العربي التي لم تنجح بعد في المنطقة، لفت نظري أمر يكاد يكون مشتركا بين كل المواقع السياسية الساخنة، خاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، إذ يبدأ قادة الحراك الشعبي المعارض بطرح جملة من المطالب السياسية المتعلقة بعملية الإصلاح الدستوري أو حتى التغيير في النظام السياسي، ولكن.. ومع سخونة المشاهد وتفاقم الصراع بينها وبين النظام السياسي تبدأ عدة مشاكل أخرى في الظهور تُسمّى بـ «تبعات الأزمة». فينجح النظام على الأرجح في إشغال المعارضة بها بعيداً عن المطالب الحقيقية المتعلقة بالإصلاح أو التغيير التي بدأ الحراك الشعبي بها ووقف الشارع خلف قادة المعارضة من أجلها.
هذا النجاح من شأنه أن يُربك المعارضة ويقسّمها إلى مجموعات سياسية مختلفة في مواقفها المتأرجحة بين الإصرار على تنفيذ النظام السياسي لمطالب المعارضة، وبين الانتقال إلى المطالب الجديدة الناتجة عن الصراع، وتلك المفردة هي بيت القصيد!
فإذا أسقطنا القاعدة السياسية تلك على ما يجري اليوم في الكويت، نجد أن قادة المعارضة السياسية قد وقعوا في فخ التكتيك الحكومي الذي أدى إلى تغير مطالبهم من الدعوة لتعديل الدستور بما يضمن ترسيخ المشاركة الشعبية في القرار انسجاما مع الهدف من وضع المادة السادسة من الدستور، مروراً برئيس وزراء شعبي وانتهاءً بالحكومة المنتخبة، لتتغير تلك المطالب فتصبح «مطالب أزمة» وهي وقف عنف رجال الأمن في حق المتظاهرين وإطلاق سراح الموقوفين وإسقاط التهم عنهم وإلغاء مرسوم الصوت الواحد وإعادة الانتخابات النيابية بعد إنهاء مجلس الأمة الجديد، وغيرها من المطالب التي لا علاقة لها بالقيم التي دفعتهم إلى المطالبة بالإصلاح والتغيير.
بل أجزم أن قادة المعارضة في الكويت اليوم قد انجروا مرغمين من الحديث عن «مطالب الحراك» إلى الحديث عن «مطالب تبعات الأزمة» من خلال قبولهم بالحوار الوطني من أجل المصارحة والمصالحة وصولاً إلى العفو الأميري ووقف تهم اقتحام المجلس في ما يسمى بالأربعاء الأسود. بمعنى آخر بدأ الحديث عن العودة إلى المربع الأول، بعد أن حصّنت الحكومة موقفها بإيجاد أوراق ضغط أخرى على الساحة السياسية وإرغام المعارضة على طرق بابها أولا!
من هنا أحسب أن قادة المعارضة قد بلعوا الطعم الحكومي، ما يتطلب منهم التفكير جلياً في إعادة تقييم مسارهم ضمن محورين رئيسين هما: ماهيّة المطالب التي اجتمعوا عليها وانطلقوا منذ البداية من أجل تحقيقها، وأيضاً في حجم المتعاطفين معهم، وخاصة أن المطالب الحالية اليوم قد اختلفت عن المطالب في بداية التحرك. لذا أجد أن المعارضة قد أضاعت البوصلة وهي فرصة لها اليوم أن تعيد تقييم كل حراكها المطلبي وحقيقة شكل الاصطفافات القائمة اليوم، وخاصة أن الكثير من المواطنين لم يعد يعجبهم سلوك الحكومة والمعارضة معاً في جر البلاد إلى المجهول الغامض.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق