أتحفظ شخصياً على استخدام مصطلح “المعارضة” لوصف بعض التجمعات الأيديولوجية الهامشية, ما لم يعترف متحدثوها المزعومون بما هو سلبي ورجعي في طروحاتهم الشخصانية. فلا توجد على أرض الكوكب “معارضة” مثالية خالية من الأخطاء الفادحة أو بريئة من قصر النظر, اللهم إلا إذا تصور بعض المعارضين المثاليين أنهم وصلوا الى درجة الكمال-والعياذ بالله- في خطاباتهم السياسية التفريقية وبدأوا يرفرفون بأجنحتهم المركبة فوق سحاب عالمهم المثالي!
المعارضة التي تنظر بعين واحدة تصر بعناد دائم على رؤية الأوضاع المحلية (وبخاصة ما يتعلق بمستوى شعبيتها المتخيلة وسط الناس) بشكل ينافي الواقع, وهي أولاً وأخيراً معارضة لن تحقق أي نوع من النجاح, سواء بين مؤيديها المتناقصين أو يمكن أن تساهم في تطوير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلد. المعارضة التي تنظر بعين واحدة تتجاهل عن عمد الاعتراف بفشلها الفكري وعجزها عن تقديم تصور واقعي للحاضر وللمستقبل, وتصبح مجازياً مثل الجمل الذي لن يرى سنامه! فما يبدو يدفع هذا النوع من المعارضة الشخصانية هو سعيها للسطوة الفكرية على معارضيها أو من يختلفون, ولو قليلاً, مع بعض وجهات نظرها المتطرفة. فحنق المعارضة الإفتراضية والهامشية ينبع أصلاً من تضييع القيمين عليها لفرص تاريخية ثمينة في المشاركة مع أبناء الوطن الآخرين في الممارسة الديمقراطية التي تمثل كل الشرائح والأقليات العرقية في المجتمع.
المعارضة الديمقراطية الحقيقية هي التي تملك القدرة على تقديم مشاريع حضارية جادة تلامس متطلبات المواطن العادي وتحافظ على السلم الاجتماعي وتصون الوحدة الوطنية. أما “المعارضة” وليدة اللحظات المتكررة ووليدة المزاجية ووليدة تناقض المواقف اليومية, ليست معارضة وفق معايير عالمنا المعاصر, ولكنها تبدو فورات غضب شخصانية موقته يغلفها غلو المواقف واختلاط طروحاتها الشخصانية وسط وهج فلاشات الكاميرات وشغف بعض القيمين عليها للوقوف في دائرة الضوء أطول فترة ممكنة.
يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم”(الأنفال 46 ), أي من المفترض على المسلم المثالي السعي نحو تقوية التآلف والتعاضد الاجتماعيين بين أبناء وطنه, ولكن من يبدو أنه يسعى الى ترسيخ العناد والتعنت والمغالاة وتطرف الألفاظ والمواقف الشخصانية في البيئة المحلية فهو يرفض التوافق بين أعضاء المجتمع الواحد.
المعارضة التي تنظر بعين واحدة فقط وتتأبط غصباً “مثالية متخيلة” هي بشكل أو بآخر معارضة يبدو أنها تُفْشِلُ التوافق الاجتماعي وتُذْهِبُ ريح التعاضد والتوحد بين أبناء الوطن الواحد. والله المستعان.
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق