أكد الخبير الدستوري وأستاذ القانون د.محمد عبدالمحسن المقاطع عدم جواز أن يكون التحقيق البرلماني في شأن أمور عامة تتعلق بشخص من أشخاص القانون الخاص وجريان شؤونه وإدارته لعلمه، إلا إذا كان استيضاحاً للمعلومات من الجهة الحكومية التابع لها في شأن سلطتها تجاهه فقط.
وفيما يلي نص الدراسة القانونية التي قدمها د.محمد عبدالمحسن المقاطع في شأن حدود اختصاص لجان التحقيق البرلمانية:
مدى جواز أن يمتد التحقيق البرلماني إلى أشخاص القانون الخاص (شركات وأفراد)
1- تمهيد:
يهدف التوزيع الدستوري للاختصاصات الذي هو احدى النتائج الطبيعية لمبدأ الفصل بين السلطات، إلى تأكيد نطاق عمل كل سلطة من السلطات في حدود مرسومة ومعروفة حتى يكون الفصل بين الوظائف له واقعه الذي جاء مبدأ الفصل بين السلطات لبلوغه باعتباره احدى ركائز هذا المبدأ الذي بُني على فكرة الفصل الثلاثي فصلا يشمل في ثناياه الأشخاص والمؤسسات والوظائف، فلا يجوز أن يتم إقحام أي سلطة في أي وجه من وجوه أعمال السلطة الأخرى في شأن جوانب الفصل الثلاثة السابقة، ومن هنا نجد أن أصداء هذا الفصل الثلاثي يجد انعكاسه المباشر في الدساتير المختلفة حينما تتصدى لتنظيم فكرة التوزيع الدستوري للاختصاصات كي تضمن وجود وظائف محددة لكل سلطة من السلطات الثلاث تستقل بها وفي ممارستها عن السلطتين الأخريين بصورة واضحة وأن يحفظ لكل سلطة نطاق اختصاص يختلف عن اختصاصات السلطتين الأخريين.
وتفريعا على هذا المبدأ الدستوري الكلي، نجد أن اختصاص السلطة التشريعية (البرلمان) يقف عند حدود ممارسة تلك الأمور أو الموضوعات أو المسائل التي تدخل في نطاق اختصاص هذه السلطة، سواء اتصل ذلك في المسائل التشريعية أو كان ذلك في نطاق الرقابة السياسية والاختصاص المالي، ولا تملك السلطة التشريعية في الأنظمة الدستورية البرلمانية على وجه الخصوص في أن تخرج عن هذا المبدأ لتقحم نفسها في ميدان أو عمل أو أمر لا يدخل في اختصاصها، باعتبار أن ذلك إنما يكون حصرا وحكرا على سلطة أخرى سواء كانت السلطة التنفيذية أو السلطة القضائية وهو ما قررته صراحة المادة (115) من الدستور، أما إذا عمد أو تعمد البرلمان (مجلس الأمة) إلى إقحام نفسه على أمور وموضوعات لا تدخل في اختصاصه أساساً، فإنه بذلك يكون قد تجاوز مبدأ الفصل بين السلطات وخرج عنه خروجا صارخا، توصم معه أعماله بعيب مخالفة أحكام الدستور.
2- وسائل الرقابة السياسية البرلمانية ولجان التحقيق البرلمانية:
وفي ضوء ما سبق، فإنه من ضمن المسائل التي يختص بها مجلس الأمة الكويتي وفقا للدستور هو اختصاصه في الرقابة السياسية والمالية، وله في سبيل نهوضه بمهام ممارسة اختصاصه الرقابي أن يستخدم أدوات برلمانية مختلفة، منها الاقتراح برغبة والسؤال البرلماني وطرح موضوع عام للمناقشة وتشكيل لجان التحقيق البرلمانية وتقديم الاستجوابات وكذلك طرح الثقة للوزير أو لرئيس الوزراء حسب الأحوال، وهذا الاختصاص الرقابي ليس اختصاصا مطلقا، بحيث يمارس دون قيد أو ضوابط أو في نطاق خارج ما حدده الدستور من نطاق لمثل هذه الرقابة من حيث موضوعها وطبيعتها واجراءاتها والتي أكملت أحكامها اللائحة الداخلية لمجلس الأمة والأحكام والقرارات التفسيرية الصادرة عن المحكمة الدستورية، وإذا عندنا إلى التحقيق البرلماني نجده هو أيضا خاضعا للقيود والضوابط السابق ذكرها ولا يجوز أن يمارس دون التقيد بالحدود والنطاق اللذين قررهما الدستور أيضا، مهما كانت المبررات فالمبدأ لا يتغير حسب الظرف السياسي أو الجو السائد أثنائه.
3- حدود اختصاص لجان التحقيق البرلمانية وما يخرج عنها:
ويمكن أن نبين وبصورة موجزة بأن التحقيق البرلماني وعلى ما يجمع عليه الفقه الدستوري وتسانده أحكام القضاء الدستوري أيضا، هو ذلك الاختصاص الذي يمنح للبرلمان (مجلس الأمة) كي يقف هو وبصورة مباشرة على حقيقة أمر أو موضوع أو قضية من الأمور الداخلة في نطاق اختصاصه، وهو يمارس رقابته على السلطة التنفيذية سواء تمثلت برئيس الوزراء أو الوزير المعني، للتأكد من وجود الخلل أو المخالفة أيا كانت طبيعتها في أعمال الوزير أو الجهاز التابع له، باعتبار أن الرقابة على أعمال الوزراء والأجهزة الحكومية والإدارية التابعة لهم مما يدخل في الاختصاص الرقابي السياسي أو المالي للبرلمان (مجلس الأمة) وهو ما يمنحه بسب هذا الاختصاص القدرة على مباشرة رقابته السياسية عليها من خلال لجان التحقيق البرلمانية.
وبالرجوع إلى نص المادة 114 من الدستور نجدها تنص على ما يلي: «يحق لمجلس الأمة في كل وقت أن يؤلف لجان تحقيق أو يندب عضوا أو أكثر من أعضائه للتحقيق في أي أمر من الأمور الداخلة في اختصاص المجلس، ويجب على الوزراء وجميع موظفي الدولة تقديم الشهادات والوثائق والبيانات التي تطلب منهم».
4- اختصاص اللجان البرلمانية حصري وقاصر على اختصاص المجلس تجاه الحكومة:
وواضح من هذا النص الدستوري أن التحقيق البرلماني الذي يختص به مجلس الأمة يجب أن يكون في الأمور الداخلة في اختصاصه أصلا، سواء كانت اختصاصا تشريعيا أو رقابيا سياسيا أم ماليا، مما يتولاه المجلس في مواجهة السلطة التنفيذية تمثلت بوزرائها وكافة الأجهزة الحكومية والإدارية التابعة لها، وهذا هو اختصاص حصري أي أنه محصور وقاصر فقط على الأمور الداخلة في اختصاص المجلس ما يعني خروج ما عداها من الأمور والموضوعات الأخرى عن الخضوع للتحقيق البرلماني.
ويقول الدكتور عثمان عبدالملك الصالح في مؤلفه النظام الدستوري الكويتي ومؤسساته السياسية ما يلي: «والحقيقة أن لجان التحقيق التي يؤلفها المجلس من أعضائه المنتخبين تتيح له امكانية مراقبة أعمال السلطة التنفيذية والتي تدخل في دائرة التحقيق.
كما يشير الدكتور عبدالفتاح حسن في كتابه مبادئ النظام الدستوري في الكويت إلى ما يلي: «وقد يتشكك المجلس من حسن نية الحكومة أو في صحة ما قد تقدمه من معلومات وبيانات فيرغب في أن يستوضح الأمر بنفسه فيجري المجلس تحقيقا»، ويضيف في موضع آخر قائلا «فقد خشي من الجانب الآخر أن يسرف المجلس في استعمال هذا الحق، فترى الحكومة ويرى موظفوها أنه ولا عمل لهم سوى تقديم البيانات والوثائق للجان التحقيق المنبثقة عن مجلس الأمة».
ويورد الدكتور محمد المقاطع في مؤلفه الوسيط في النظام الدستوري الكويتي ومؤسساته السياسية: «ويتبين في هذا النص أن مجلس الأمة يملك تشكيل لجان تحقيق في الأمور الداخلة في اختصاصه وحدها»، ويضيف في موضع آخر : «ويبلغ رئيس المجلس طلب التحقيق إلى رئيس مجلس الوزراء أو الوزير المختص… ويجوز للجنة التحقيق استدعاء الموظفين للشهادة أمامها وتستطيع إجبارهم إلى الحضور أمامها».
ومن ثم فإن نطاق التحقيق البرلماني يتحدد باختصاصات المجلس وبشأن وفي مواجهة السلطة التنفيذية بوزرائها واجهزتها فقط، دون ان يتعدى ذلك وصولا لاشخاص القانون الخاص كما سنوضحه لاحقا.
وقد قررت المحكمة الدستورية في الكويت في قراريها التفسيريين رقمي 1 و2 لسنة 1986 وبشكل قاطع توضيحا لما يدخل في اعمال لجان التحقيق البرلمانية في مواجهة السلطة التنفيذية قائلة: «فإن المسلم ان التحقيق البرلماني هو حق اصيل للسلطة التشريعية يستمد وجوده من طبيعة النظام البرلماني نفسه، ولو لم يرد به نص في الدستور وبه تتوصل السلطة بنفسها او عن طريق لجنة تشكلها، الى ما تريد معرفته من الحقائق التي يمكن ان تكون قد خفيت عنها او وصلت اليها غير واضحة او ناقصة عن طريق الوزراء المختصين، ومرد ذلك الى ما لها من حق الرقابة والتشريع».
«كما يمكنه من مراقبة سلامة ما اتخذته السلطة التنفيذية من اعمال ومدى ملاءمتها للاهداف التشريعية او السياسية، وما يرتبط به من تحديد المسؤول عن عدم التنفيذ السليم من الناحية السياسية» وهذا هو المستقر في النظام البرلماني البريطاني ايضا.
«اذ ان البين من نص المادة (114) سالفة الذكر انه جاء عاما مطلقا من اي قيد او شرط اللهم الا اشتراط ان يكون موضوع التحقيق داخلا في اختصاص المجلس النيابي».
«فإنه لما كان الهدف من التحقيق هو في المقام الاول تمكين السلطة التشريعية من القيام بمهمتها والوقوف على سير الجهاز الاداري لعلاج ما قد يكون قد اصابه من خلل وليس هدفه دائما وبالضرورة الاتهام وتحريك المسؤولية السياسية او الجنائية ومن ثم فلا مانع يمنع ان يطول التحقيق اعمالا صادرة من السلطة التنفيذية في اي فترة معقولة من الزمن وان كانت قد وقعت في عهد وزارة او وزارات سابقة».
وهنا نجد ان هذا القرار التفسيري للمحكمة وان توسع بقبول امتداد التحقيق البرلماني في مواجهة الحكومة لفترة زمنية ماضية معقولة، الا انه قيده بصفة مطلقة ان يكون في مواجهة الحكومة فقط دون ان يتعداها لاشخاص القانون الخاص الذين لا يمتد اليهم قطعا هذا التحقيق.
وقد جاء في حكم المحكمة رقم (2) لسنة 1986 ايضاحا بأن التحقيق البرلماني انما يكون في مواجهة السلطة التنفيذية والاجهزة التابعة لها، حيث اورد الحكم ما يلي: «وحيث انه من المسلم به ان لمجلس الامة حق تأليف لجان تحقيق في اي امر من الامور الداخلة في اختصاصه طبقا لحكم المادة (114) من الدستور، وان هذا الاختصاص مصدره المبادئ العامة المترتبة على حق المجلس في التشريع والرقابة، وبالتالي يكون كل موضوع او امر يستطيع المجلس ان يمارس فيه صلاحياته المذكورة هو ما تطوله سلطة المجلس المقررة بهذا الصدد، ولا شبهة والحالة هذه في ان تدخل في المجال الرقابي للمجلس اعمال السلطة التنفيذية وما يتبعها من اجهزة ومؤسسات وهيئات عامة». ومما يؤكد ان التحقيق البرلماني انما يكون في مواجهة السلطة التنفيذية والاجهزة الحكومية التابعة لها، هو ان الاصل ان ينظر طلب التحقيق في الجلسة المحددة لموعد نظره، الا ان اللائحة قد اجازت لرئيس مجلس الوزراء او الوزير المختص ان يطلب تأجيل نظره لمدة اسبوعين على الاكثر، ويتعين على المجلس ان يستجيب لطلبه ولذا اذا كان التحقيق ممكنا وجائزا في مواجهة طرق غير ماثلة وهذا ما يقتضيه مبدأ الضمانات والعدالة.
5- ما يخرج عن اختصاص لجان التحقيق البرلمانية:
وبالهدي على كل ما سبق فاننا يمكن ان نوضح ان هناك جملة من الموضوعات والامور التي تخرج عن نطاق اختصاص لجان التحقيق البرلمانية، ولا يجوز أن يمتد عملها اليها، والا شكلت خروجا صارخا على احكام الدستور، من امثلة ما يخرج عن اختصاص اعمال التحقيق البرلماني الذي يباشره مجلس الامة لانها لا تدخل في نطاق عملها التشريعي من جهة، كما انها – وهو المهم هنا – لا تدخل اطلاقا في مجال عملها الرقابي القاصر على السلطة التنفيذية من جهة اخرى ما يلي:
أ- أعمال ونشاط اشخاص القانون الخاص، اي الافراد العاديين او المؤسسات الفردية الخاصة او الشركات الخاصة، حتى لو كانت الحكومة تملك جزءا من الملكية في اسهم هذه الشركات كبرت هذه الحصة ام صغرت.
ب- اعمال الشركات الخاصة المملوكة ملكية كاملة للحكومة.
ج- الاعمال والتصرفات الجزائية التي تدخل في نطاق اختصاص النيابة العامة او السلطة القضائية.
د- مباشرة اعمال التحقيق الاداري الذي يدخل في نطاق المسألة التأديبية التي تملكها السلطة التنفيذية على موظفيها.
و- التصدي لاعمال ذات طبيعة قضائية فضا لنزاعات او باتخاذ اجراءات ذات طبيعة قضائية مما تدخل في نطاق اختصاص السلطة القضائية.
هـ- كل موضوع آخر لا يدخل في نطاق الاختصاص الحصري التشريعي او الرقابي لمجلس الامة مما نصت عليه المادة 114 من الدستور. مع اهمية وضع حد فاصل بين الاختصاص الرقابي الذي يكون في مواجهة الحكومة واجهزتها وموظفيها وهو ما يبرر ان يتم استدعاؤهم للشهادة امام لجان التحقيق للادلاء ببيانات او معلومات او وثائق كما تقرر ذلك المادة (9) من اللائحة الداخلية وهو قاصر هنا على الموظفين العموميين عملا بالحكم الحصري للنص الدستوري وصريح حكمه ولفظ عباراته والتي هي تطبيق لنص المادة (114) من الدستور، ولذا لا يجوز ان يكون الشهود خارج هؤلاء والا كان ذلك مخالفا لنص المادة (114).
اما مباشرة لجنة التحقيق اجراءات تفيدها في الاصلاح التشريعي المستقبلي فانه لا يدخل في ثناياه استدعاء الشهود وما يجري به حكم المادة (9) من اللائحة لانه لا يعدو ان يكون استرشادا ومشاورة، وتباشره اللجنة لتعديل التشريع ولا يتضمن اية اجراءات ذات صبغة تحقيقية وما يدخل في نطاقها مثل الشهادة والشهود والتزاماتهم القانونية وهي نقطة فاصلة وجوهرية.
6- الاسرار المصرفية تخرج عن نطاق التحقيق البرلماني وتخضع لضوابط مشددة:
ان الاصل العام والراسخ في النظم القانونية وكذلك في المبادئ الدستورية في الكويت بشأن الحسابات المصرفية هو سريتها لدخولها ضمن عناصر الذمة المالية للشخص ومن ثم لها حماية وسرية باعتبارها من مكونات الحياة الخاصة المحمية بأحكام عديدة في الدستور وخصوصا المادة 30 منه وهو ما تناولناه في كتابنا «حماية الحياة الخاصة» 1992. ومن ثم فإنه لا يجوز للتحقيق البرلماني الذي هو تحقيق سياسي ان يجري مجرى التحقيق الجنائي في تناوله مثل هذا الموضوع لاختلافهما طبيعة ونطاقا وكيفية وغاية، وهو ما حسمته المحكمة الدستورية في قرارها التفسيري رقم 1 لسنة 1982 سابق الاشارة اليه.
والى جوار الاصل العام يوجد الاستثناء والخاص بفكرة الخروج على المبدأ ترجيحا لمصلحة عامة راجحة على مصلحة خاصة مرجوحة، الا ان ذلك يتم وفقا لقيود وضوابط منطقية وطبيعية تقتضيها دواعي اعمال الاستثناء بدلا من الاصل، وهذه القيود والضوابط التي ترد على التحقيق البرلماني السياسي والتي تتوافق مع طبيعته تتلخص بما يلي:
1- لا يجوز ان يكون طلب البيانات المالية في مواجهة الحكومة او اجهزتها عاما ومطلقا وانما ينبغي ان يكون محددا بعملية بذاتها او عمليات لها صفة محددة او معرفة مثل «عمليات مشبوهة» سواء بمعيار يتبناه البرلمان ويتفق عليه مع الجهة الفنية الحكومية او اخذا بالمعيار المهني المتعارف عليه بهذا الخصوص، واذا ما تخطى التحقيق البرلماني ذلك فقد تجاوز الحدود الممكنة له دستوريا، مع مراعاة التقيد الكامل بعدم المساس بالذمم المالية للافراد وانما اعطاء بيانات عن العمليات المشبوهة بتوصيفها وبيان ما اذا كانت الحكومة قد قامت باجراءاتها في مواجهتها من عدمها.
2- انه لابد من ان تحاط المعلومات التي يستحصل عليها البرلمان في هذه الحالة – ودون كشف هوية الاشخاص – بضمانات تعزز سريتها وتمنع نشرها أو تداولها خارج نطاق لجنة التحقيق أو اعضائها فالاستثناء لا يتوسع به ولا يقاس عليه وهو اجراء من اللازم الاتفاق عليه بشكل صريح بين الحكومة ولجنة التحقيق لتتحقق تلك الضمانات.
3- ان المعلومات التي تتعلق ببيانات مصرفية عن حركة اموال الدولة الواردة ضمن الميزانية أو خارجها الاصل فيها امكانية تعقب حركتها من لجان التحقيق البرلمانية لاندراجها في نطاق اعمال الحكومة ومن ثم محلا للمساءلة السياسية، ولذا فالطلب للتعرف على حركتها لا يقدم الى البنك المركزي أو البنوك التي هي وسيط وطرف ثالث وانما يوجه للحكومة ممثلة برئيسها لأن صرف أو نقل بعض الاموال العامة الواردة بالميزانية أو خارجها تساءل عنها الحكومة وليس البنك الذي ينفذ تعليمات وتوجيهات العميل. وهو هنا له صفتان اولاهما انه جهة حكومية وثانيتهما بنك عليه مسؤوليات حفظ الاسرار المصرفية والا كان محلا للمساءلة القانونية الجزائية عن مخالفة ذلك.
4- ان البنود التي وردت في الميزانية ضمن المصروفات السرية في قانون الميزانية الذي اقره البرلمان تقديرا منه لهذه الطبيعة لا تدخل ضمن ما يجوز الكشف عن تفاصيله اكتفاء بذكر انه ضمن البنود السرية.
5- انه لا يجوز ان ينتقل التحقيق البرلماني من هذه الطبيعة ليصبح تحريات تتشابه والتحريات التي تجريها اجهزة الادارة التي تتصف بالضبطية القضائية ولا التحريات التي تجريها النيابة فتلك طبيعة تقتصر على تلك الجهات لاختلاف طبيعة ونطاق وكيفية وغاية التحقيق الجنائي عن التحقيق البرلماني السياسي، ولذا فالتفتيش وتعقب البيانات وجمع الاستدلالات وما شابه من اعمال التحري ليست جائزة.
6- انه ليس جائزا الطلب من الجهات الحكومية القيام بمهام التحري سواء تمثل ذلك بجمع البيانات أو تحليلها أو التوليف بين شتات من البيانات لخروج ذلك عن نطاق التحقيق البرلماني المقتصر على طلب البيانات والوثائق والمستندات.
7- ان الموظف العام الذي لم يحضر امام لجنة التحقيق البرلمانية هو فقط من يمكن احالته للنيابة أو اذا امتنع عن الاجابة، لكن لا يجوز ذلك لمجرد انه اجاب بما لا يوافق رأي عضو أو اكثر من اعضاء اللجنة لأنه ليس هذا هو مقصود حكم المادتين 8 و9 من اللائحة، وفي نهاية الامر للجنة ان توصي بذلك بناء على مبررات صحيحة لرئيس مجلس الامة الذي له قبول تلك التوصية من عدمها، ثم ترفع للحكومة التي قد تأخذ بها أو لا تأخذ تبعا لتقديرها.
8- ان الحدود والضوابط المذكورة تشكل اساسيات الاطار القانوني والدستوري للموازنة بين اعتبارات الحفاظ اعمال التحقيق البرلماني واعتبارات حماية الخصوصية والاسرار المصرفية، مع ضرورة التنويه الى ان ما يدخل في اختصاص لجان التحقيق البرلمانية فقط هو ما يدخل في نطاق اعمال الحكومة ويخرج غير ذلك عن اختصاصها.
7- البدائل القانونية للتعامل مع الأمور الخارجة عن اختصاص لجان التحقيق البرلمانية:
ومما سبق يتضح ان التحقيق البرلماني لا يمكن ان يطال اشخاص القانون الخاص بصفة مطلقة أو حتى استدعاؤهم شهودا امام لجانه، ومع ذلك واجلاء للامر ووضعا للحقيقة في سياقها الطبيعي، نؤكد هنا على امكانية مطالبة مجلس الامة الوزير المعني بإحالة الشركات التي تملك الحكومة جزءا من اسهمها الى النيابة العامة في حالة وجود مخالفات لقانون الاموال العامة، كما يجوز ايضا احالة الامر الى ديوان المحاسبة ليباشر اختصاصه في هذا الشأن وفقا لما هو مقرر في قانون الاموال العامة ايضا، وكذلك يمكن مطالبة الحكومة باتخاذ اجراءات الشكوى النابية في مواجهة اية شركات أو اشخاص القانون الخاص امام النيابة العامة اذا ارتكبوا ما يعتبر جريمة أو شبهة جريمة، وهذا تقديره لدى الحكومة، وهذا هو الطريق الصحيح للتعامل مع هذا الموضوع أو الموضوعات المشابهة والتي لا تدخل اساسا في نطاق اعمال التحقيق البرلماني.
ونشير في هذا الخصوص الى انه مما ذكره الخبير الدستوري للمجلس التأسيسي د.عثمان خليل عثمان في شأن سلطة التحقيق البرلماني هو ما يلي: «هذه الشهادة ليست لها قيمة الا على سبيل الاستدلال لدى اللجنة البرلمانية، وكل ما تستطيعه اللجنة البرلمانية هو ان ينتهي التحقيق الى تحريك المسؤولية الوزارية أو الى وضع مشروع قانون، لكنها لا تستطيع ان تصدر قرارا بإدانة موظف أو بإدانة فرد، يعني التحقيق البرلماني ليس يحل محل تحقيق النيابة ولا محل تحقيق الجهة الادارية».
8- الخاتمة:
وخلاصة لكل ما تقدم فإن التحقيق البرلماني ترد عليه قيود في شأن الموضوعات التي يجوز ان يطالها ومن هذه القيود عدم جواز ان يكون التحقيق في شأن امور تتعلق بشخص من اشخاص القانون الخاص ومجريات شؤونه وادارته لعمله، اللهم الا اذا كان استيضاحا للمعلومات من الجهة الحكومية التابع لها في شأن سلطتها تجاهه فقط، وما لها من اختصاصات بحكم تلك السلطة، دون ان تتعدى ذلك الى امور واعمال تتصل بنشاط الشركة ذاتها أو ما يقوم به من عمل أو تتخذه من قرارات ولا يعني عدم خضوع الشركات الخاصة لاداة التحقيق البرلماني كونه احد ادوات مساءلة السلطة التنفيذية من قبل البرلمان، هو الانتهاء الى افلات الشركة أو مجلس ادارتها أو ادارتها التنفيذية من اوجه المساءلة القانونية، وانما يتم ذلك وفقا للنظام القانوني للدولة، وتوجد في هذا الخصوص بدائل ووسائل اخرى قانونية يمكن ان يتم اللجوء اليها في حالة وجود خروج من قبل اشخاص القانون الخاص ممن تكون تحت ايديهم اموال عامة أو مساهمات من قبل الدولة، أو عند خروجهم عن الالتزامات القانونية المقررة بوجه عام في ادائهم لاعمالهم المنظمة بأحكام القانون، عليهم من خلال اللجوء الى النيابة العامة أو ديوان المحاسبة وفقا لنصوص قانون حماية الاموال العامة أو قانون الجزاء، وهذا طريق تختلف تماما عن اخضاعها للتحقيق البرلماني الذي لا تخضع له اطلاقا.
قم بكتابة اول تعليق