
أكدت مصادر مسؤولة أن هناك محاولات رقابية حثيثة لاصطياد المضارب رجب، الذي يعيث في التداول فسادا بأساليب مبتكرة، يفترض تتبع خيوطها بدقة متناهية مع حرص على ايجاد الثغرة التي ينفذ منها لتنفيذ مآربه بالمضاربة العنيفة و«تدبيس» صغار المتداولين بعد ترفيع أسهم ورقية ومتعثرة ثم الانسحاب منها. وأكدت مصادر أن المضارب رجب يستخدم عدة حسابات تداول يجري أحيانا في ما بينها عمليات محمومة، كما أنه ينسج تحالفات مع مضاربين آخرين، وينشط في اوامر وهمية سرعان ما يتخلص منها بطريقته، كما ان لديه مصادر معلومات سرية، ويجند اشخاصا لبث الاشاعات.
وقال مصدر مسؤول: بعد أن كان كثيرون يعولون على هيئة أسواق المال، ومن ثم على نظام التداول الجديد بلجم تلاعبات أوقعت في شراكها كثيرا من صغار المتداولين، فان الواقع يقول ان لا شيء تغير بعد مرور أكثر من 17 شهرا على انتقال المهام الرقابية على البورصة من لجنة السوق الى هيئة أسواق المال، وأكثر من 9 شهور على انطلاق العمل بنظام التداول الجديد، فلا تزال تلك التلاعبات قائمة، من مجموعات على أسهمها، ومن كبار المضاربين المتلاعبين كأمثال المضارب الافتراضي رجب، من دون وضع حد لتصرفاتهم التي عاثت في التداولات فساداً.
واذا كان تطبيق نظام التداول الحالي في بدايته، التي كانت في 13 مايو من العام الماضي، شهد انخفاضا في قيم التداولات اليومية في السوق، وهو ما أعطى انطباعا بتوقف كبار المضاربين المتلاعبين في السوق عن ممارساتهم المشبوهة، نتيجة تخوفهم وأخذهم الحيطة والحذر من قدرة النظام الجديد في تعزيز الدور الرقابي على التداولات، وكشف ألاعيبهم، وبالتالي وقوعهم تحت طائلة العقوبات المقررة في قانون هيئة أسواق المال، فيما يتعلق بخلق تداولات لحث الآخرين على شراء أسهم أو بيعها، فان هذا الانطباع سرعان ما تبخر، اذ إن تلك الفترة لم تكن الا فترة جس نبض من قبل رجب ورفاقه لنظام التداول الجديد، وما سيرافقه من نهج رقابي على التداولات، ليعودوا من جديد أكثر جرأة على ممارسة ألاعيبهم وتحقيق المكاسب الكبيرة والسريعة على حساب صغار المتداولين، مستخدمين أساليب جديدة مبتكرة، اضافة الى أساليب أخرى قديمة، بعد أن وجدوا أن لا جديد على الصعيد الرقابي يمكن أن يكبح جماحهم، بل انهم وجدوا في سماح النظام بتداولات السهم والسهمين فرصة، لأن يصعّدوا أسعار أسهم خاملة، ويخفضوا أخرى بأموال قليلة، بعد أن كان الأمر يكلفهم أموالا أكبر في ظل نظام الوحدات.
طريقة عمل
ان الفترة الماضية منذ تطبيق نظام التداول الجديد، تثبت أن رجب وغيره من المضاربين المتلاعبين، استطاعوا اثبات تفوقهم على رقابة «الهيئة»حتى الآن، فلا يزال هؤلاء يواصلون الايقاع بضحاياهم من صغار المتداولين من دون رادع لهم، مستخدمين أسلوب العمل الجماعي أكثر من الفردي، لتعقيد أمر كشف ممارساتهم الملتوية أمام الجهات الرقابية على التداولات.
فبعد أن كان رجب مثلا يضغط على السهم منفردا بعروض لخفض سعره، مما يجعل صغار المستثمرين يتخلصون من أسهمهم، خوفا من أخبار سلبية على السهم، ليقوم هو بالشراء بأسعار متدنية، ومن بعدها يضع طلبات شراء، ليهب صغار المتداولين لشراء السهم بأسعار عالية تحسبا لخبر ايجابي حول السهم، ويقوم رجب بعدها بالتصريف عليهم بالأسعار التي يريدها، فان الأمر نفسه يحدث حاليا، ولكن بطريقة مختلفة، عبر عدد من حسابات التداول بأسماء مختلفة، يديرها المضارب رجب، ويأتمر أصحابها بأمره وينفذون الأدوار المطلوبة منهم مقابل رواتب شهرية وإغراءات مالية يخصصها لهم، فيدخلون على السهم ويضغطون عليه عبر عروض بيع لتجميعه بأسعار متدنية، ثم يأتي أحدهم ليعرض كميات كبيرة من السهم، ويشتريها آخر من المجموعة نفسها ليعرضها بسعر أعلى ويشتريها ثالث تابع لـ «رجب»، مما يوهم المتداولين بأن هناك أخباراً إيجابية حول السهم ويزيد الطلب، وبالتالي يصرّف رجب و«ربعه» الكميات التي يملكونها من السهم بأسعار مرتفعة، لينتقل العمل إلى سهم آخر.
هذه العملية لا تحدث بين رجب وأتباعه فقط، لكنها تحصل أحياناً عبر اتفاقيات بين رجب وآخرين من نوعيته نفسها من كبار المتضاربين المتلاعبين، ليتقاسموا الغنائم بعد ذلك، وإذا كانت هذه العملية عادة ما تتم بين مضاربين اثنين، فإنها حالياً تحدث بين مجموعة أكبر من كبار المتلاعبين، بشكل يجعل من مهمة إدانتهم بإبرام اتفاقيات لخلق تداولات من أجل تصعيد أسهم وخفضها أمراً أكثر صعوبة.
وفي سبيل تحقيق أهدافه، فإن رجب وأمثاله، يجندون جيشاً يخدمهم في تحقيق مآربهم عبر الإغراءات المالية، فإضافة إلى من يسجلون باسمائهم حسابات تداول تكون تحت إدارتهم، تتحدث أوساط السوق عن مصادر لهؤلاء المضاربين تمكنهم من معرفة من يعرض ومن يطلب السهم أثناء التداول، وأخرى تبث لهم الاشاعات السلبية أو الإيجابية على السهم، ليس كما هو الواقع، ولكن بما يخدم ما يريده رجب من تصعيد أو خفض لسعر السهم، وثالثة تزودهم بآخر التطورات الحاصلة في بعض الشركات، وقبل أن يعرف بها أحد غيرهم، كتخارج أو استحواذ أو مشروع جديد، إضافة إلى تغاضي وسطاء وتنفيذهم لصفقات رغم عدم تغطية الحساب لمبلغ شراء الأسهم، أو عدم تغطية رصيد الأسهم للكمية المباعة، متحججين بعدم الربط الآلي وتشغيل آلية التحقق المسبق من قبل «المقاصة» حتى الآن.
الأسهم المقصودة
يُكثر رجب وشلته اللعب على الأسهم الصغيرة بوجه عام، ممن يقل سعرها السوقي عن الـ 100 فلس، وذلك لسهولة التحكم في تصعيد أسعارها وخفضها نتيجة رخص أسعارها، وإمكانية شراء كميات كبيرة منها بعكس الأسهم الثقيلة والتشغيلية، والتذبذب الكبير والسريع في أسعارها، إضافة إلى أنها مركز تجمع لأموال صغار المتداولين، إذ أن غالبيتهم يبحثون عن المضاربة والربح السريع، وبالتالي فإن جر أرجلهم إلى تلك الأسهم أسهل في ظل رخص سعرها كما أسلفنا.
ويبدو التركيز بشكل أكبر من قبل رجب وصحبه على الأسهم المتعثرة، نتيجة غموض مصيرها، وقلة المعلومات عن التطورات في أوضاعها، وهو ما يجعل صغار المتداولين طعماً لإشاعات حول تلك الشركات، وأن التداولات التي يصطنعها رجب ومن معه تدل على أخبار إيجابية أو سلبية حول أوضاعها.
العروض الوهمية.. والتسويات
ولعل تساؤل يطرحه كثيرون عما إذا كانت هناك عروض بيع أو طلبات شراء وهمية، في ظل الكميات بالملايين التي تتكرر بالنسبة للعروض والطلبات على سهم ما؟
تؤكد مصادر استثمارية إن مشكلة العروض والطلبات الوهمية لا تزال قائمة، في ظل عدم تطبيق نظام الرقابة الآلية وآلية التحقق المسبق من رصيد الأموال والأسهم للمتداول حتى اللحظة، قائلة إن تلك واحدة من الثغرات التي تساعد رجب ومن مثله على إتمام بعض ألاعيبه، عبر عروض بيع وطلبات شراء وهمية لإغواء المتداولين ببيع السهم أو شرائه.
وحول التسويات تؤكد المصادر إن مما يسهل عمليات التلاعب في التداولات، هو رفع البورصة لهامش الأخطاء بالنسبة للوسطاء من 3 إلى 9 أخطاء سواءً ما يتعلق منها برصيد الأسهم أو رصيد الحساب المتداول عند تنفيذ الصفقة، قائلة إن ذلك منفذ آخر لكبار المتلاعبين، للتحجج بأخطاء من قبل الوسطاء في تنفيذ صفقات بيعه لكميات لا يملكها كلها في سهم أو شرائه لكميات دون أن يكون لديه في حساب تداوله الرصيد الكافي لتغطية قيمتها، وطلب تسويات بخصوصها.
قصة حقيقية
يروي مدير في إحدى المجموعات الاستثمارية الكبرى حادثة تبين مدى استخدام مضاربين متلاعبين لمسألة التسويات في تنفيذ ألاعيبهم قائلاً: أحدهم اشترى في يوم أربعاء كمية من سهم ما دون أن يكون لديه رصيد كاف يغطي قيمة الأسهم، ليبيعها في اليوم الذي يليه محققاً أرباحاً، ثم جاء ليطلب تسوية يوم الأحد، ومع أنه من المفترض أن يُدخل المضارب المتبقي عليه من صفقة شراء السهم في حساب «المقاصة» قبل الساعة الحادية عشرة صباحاً، قبل أن يستلم الشيك الخاص ببيعه السهم، لكنه ونتيجة لعلاقته بموظف البنك يحصل على ما يثبت دخول المبلغ في حساب «المقاصة» دون أن يدخله فعلياً، ليحصل المضارب على الشيك الخاص بصفقة البيع من «المقاصة»، ويدخله في حسابه في البنك أولاً، ثم يُحول المبلغ الخاص بـ«المقاصة» في حسابها بعد ذلك.
ويؤكد المصدر ذاته، أن اللوم في وقوع مثل ذلك التلاعب يقع على المضارب ومكتب الوساطة ولجنة التسويات، وكذلك «المقاصة» التي يفترض منها أن تتأكد من خلال كشوف الحسابات عن موعد دخول الشيك فعلياً في حسابها، هل قبل سحب المضارب للشيك الخاص بصفقة البيع أم قبله؟ وفتح تحقيق في تلك الأمور.
قانون الهيئة
وفي حين تؤكد مصادر أن لا قصور في قانون هيئة أسواق المال فيما يتعلق بردع المتلاعبين، فإنها ترى أن القصور يكمن في تطبيق ذلك، وإيجاد نمط رقابي متطور يمكن من خلاله اصطياد مثل هذه التلاعبات.
وتلفت المصادر إلى أن المادة 122 من قانون «الهيئة» تنصّ على «أن يعاقب بالحبّس 5 سنوات وبغرامة تتراوح بين 10 آلاف و100 ألف دينار أو بإحدى العقوبتين، كل من يخلق مظهراً زائفاً بشأن التداول الفعلي لورقة مالية، عبر إدخال أوامر شراء أو بيع، وهو على علم بأن أمراً مقارباً من حيث الحجم والسعر وزمن البيع أو الشراء لتلك الورقة قد تم أو سيتم إصداره من قبل الشخص نفسه أو من قبل أشخاص يعملون باتفاق معه، وكذلك كل من يخلق تداولاً فعلياً أو وهمياً بهدف حث الآخرين على الشراء أو البيع»، إلا أن إثبات الاتفاق المسبق بين المتلاعبين والتصعيد أو الخفض المتعمَّد لسعر سهم ما، يحتاج إلى إثبات واضح لا لبس فيه، وهو ما يحتاج من إدارة الرقابة في ظل هيئة الأسواق إلى أن تغير من نمط الرقابة للحد من تلك الممارسات.
وتضيف: إن الرقابة يجب ألا تقتصر على الصفقات المشبوهة نفسها، ومن باع ومن اشترى فيها فقط، ولكن الرجوع إلى ما هو أبعد من ذلك، ومعرفة من عمل على جمع السهم خلال فترات سابقة، وهل هو مستفيد من تلك الصفقات؟ وهل المستفيدون من صفقة على سهم ما، هم من استفادوا من دخولهم على سهم آخر بعد ذلك؟ وهل هناك ارتباط وثيق في تداولاتهم ودخولهم وخروجهم من السهم؟ فإذا تكرر السيناريو ذاته، فإن الجريمة لها ما يثبتها حينئذ.
ويضرب أحدهم مثلاً يوضح نمط الرقابة المتقدم في البورصة الأميركية، قائلاً: لي صديق احتفظ بسهم في البورصة الأميركية لمدة 4 سنوات، بعدها باعه لأنه ملّ انتظار صعوده من دون جدوى ومن دون أن يكون لديه أي علم بأي أخبار جديدة حول السهم، بعدها بيوم واحد انخفض سعر السهم كثيراً، فجاءه اتصال من هيئة الرقابة على السوق هناك تسأله عن سبب بيعه للسهم، وعما إذا كان لديه أي علم بأي تطورات ستحدث على السهم.
وتشدد المصادر ذاتها على ضرورة الحد من التسويات للخلاص من موضوع العروض والطلبات الوهمية، مبينة أنه بدلاً من رفع هامش الأخطاء للوسطاء في الرصيد المالي أو رصيد الأسهم بالنسبة للمتداولين، كما هو حاصل حالياً، كان يفترض في ظل نظام التداول الجديد التشدد في ذلك الأمر للحيلولة دون استمرار المتلاعبين في استغلال ذلك الأمر أبشع استغلال.
مكاسب من التلاعب «بفضل من الله»!
قال مسؤول في إحدى الشركات الاستثمارية الكبرى متهكماً، إن رئيس مجلس إدارة شركة استثمارية أخرى عرض عليه أن يدخل على أسهم شركته والشركات التابعة لها بشكل متتابع لتصعيدها، مقابل أن يفعل هو ذات الأمر على أسهم الشركة الاستثمارية الكبرى وتوابعها، وبالتالي تكون المنفعة بين الجانبين، موضحاً أن الرئيس المتلاعب أكد أنه سبق أن فعل ذلك مع آخرين، وهو ما حقق للجانبين «بفضل من الله» مكاسب كبيرة!
من يحمي الصغار؟
في ظل هذه الظروف، وحتى يتوافر لهيئة أسواق المال، بصفتها الجهة الرقابية المسؤولة عن السوق، النمط الرقابي الذي يمكّنها من كشف ألاعيب المضارب رجب ومن شابهه، تؤكد مصادر استثمارية أن صغار المستثمرين هم من عليهم أن يحموا أنفسهم بعدم الانجرار وراء خدع هؤلاء وحيلهم، وأن يثقفوا أنفسهم بالمعلومات التي تمكنهم من التداول بشكل علمي وفني سليم، بعيداً عن المغامرات غير محسوبة المخاطر، والتي لُدغ الكثير منهم منها سابقاً، ولا يزالون.
وتشير المصادر إلى أن هيئة أسواق المال عليها، إن لم تكن قادرة حالياً على إيجاد هذا النمط الرقابي، النهوض بالعمل التوعوي وتثقيف المتداولين عبر محاضرات توعوية وورش تدريب للمستجدين وقليلي الخبرة، وعمل دورات تداول تجريبي لهم، حتى تستطيع أن تقلل من عدد ضحايا أولئك المتلاعبين، إلى أن تتمكّن من تحقيق نمط رقابي يستطيع الوقوف في وجه حيلهم وألاعيبهم.
المصدر “القبس”
قم بكتابة اول تعليق