تأجيل الاستجوابات عمل جيد، لأن الاستجوابات أثبتت أنها لم تعالج خطأ أو توقف فساداً، انما هي «شو» للنائب وتعطيل لعمل المجلس الإيجابي.
التجربة البرلمانية والمسيرة السياسية منذ بدء تأسيس الدولة الدستورية بداية الستينات، اثبتت بما لا يدع مجالا للشك ان الاستجوابات لا تقضي على الفساد في أجهزة الحكومة ولا تعالج الاخطاء بقدر اعتمادها على «الشو» السياسي للنائب وتحقيق الانا، بل ترسيخها لثوابت الانانية النيابية بعيدا عن تحقيق مصلحة مجتمعية، انها ببساطة تحقق للنائب مكسباً فورياً: يتوهج اسمه لدى الناخبين وبالشارع واعلامه طيلة شهر كامل، وهو ما لا يحققه له من توهج اذا اتبع البرلمان نمط التحقيق او اسلوبه والبحث بالاخطاء واسماء المسؤولين عنه ان كان وزيراً او خفيراً، لان ذلك يتطلب اشهراً وربما ينقضي دور الانعقاد وتبدأ العطلة البرلمانية ولجنة التحقيق لم تعلن نتائجها بعد.
لهذا يفضل بعض النواب اسلوب او طريقة «اضرب واهرب» للامام بحثا عن قضية «شو» جديدة تجعل من اسمه حاضراً كبطل يقتحم اسوار الفساد (طبعا اعلامياً فقط)، ولا يهمه هنا معرفة تفصيلات التجاوزات او الاتهامات التي اطلقت ضد الوزير لادراكه ان مواقف زملائه النواب لا تعتمد على وقوفهم على حقيقة الخلل او صدق الاتهامات بقدر ان يكون الموقف النيابي انعكاساً لتأثير الخطاب الاعلامي المرتكز على الفرز الحاصل بالمجتمع وهو الذي يصنع المزاج الشعبي العام.
هذا الوضع الخطأ يجب تصحيحه في هذا المجلس في تعامله مع الحكومة، وحسناً فعل البرلمان ان أجل الاستجوابات، ويا ليته حولها الى لجان تحقيق خاصة بكل استجواب وحتى دور الانعقاد المقبل، وهي مدة الأجل التي اعتمدها المجلس الثلاثاء الماضي، يكون لدى البرلمان نتائج التحقيق في الاتهامات الخطيرة التي وجهها المستجوبون الى الوزراء وعندها سيشارك الرأي العام مجلسه متى ما أعلنت نتائج التحقيق، فإن ادين الوزير ولم تعالج الاخطاء وكشف للشعب اخطاء المسؤولين والموظفين فعندها ستنكشف المواقف اعتمادا على تجلي الاخطاء ووضوحها ولن يتمكن اي مسؤول من مداراة سوأته وقد بان خطؤه، فلن يمتطي الفئة او القبيلة او الطائفة للانتصار له، لان الخطأ بان وانكشف واصبح تحت مجهر الرأي العام الشعبي.
فحسنا فعل النواب بالتأجيل المؤقت للاستجوابات، وهو اجراء بتقدير انتباه محمود لمطب يراد لهذا المجلس ان يطب فيه لغاية في نفس المحرضين غابت عن الاخوة النواب المستجوبين، وليستفيدوا من الوقت بتشكيل لجان التحقيق والاستعانة بقضاة ومستشارين وخبراء للوقوف على الاتهامات الخطيرة وبالذات بالنفط، التي وردت في صحائف الاستجوابات التي قدمت، وبهذا يسن هذا المجلس سنة حسنة لا في كشف الخلل فقط، بل في كشف المتسببين به واعلانهم للرأي العام الكويتي، وليس في ذلك مقتل للديموقراطية الكويتية بل اعتبره نهجاً جديداً في إدارة عملنا مع الفساد لمحاصرته فقط، جربت الديموقراطية الكويتية اسلوب «الشو» وتعظيم انا النائب المستجوب ولم نقض على الفساد بل زاد وتجبر، فما يعنينا ليس رأس الوزير الذي ربما يكون هو الآخر ضحية بل المفسدون الحقيقيون في الاجهزة الرسمية، فعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم وللوطن.. والله المستعان.
خضير العنزي
aldomatha@hotmail.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق