محمد الجاسم: تماسك الحراك

في الوقت الذي يواجه فيه بعض الشباب وبعض أعضاء الأغلبية احتمالات صدور أحكام بحبسهم، نلاحظ أن الحراك الشعبي المعارض تراجع كثيرا خلال الشهرين الماضيين، وضعف تأثيره إلى حد كبير. وبالطبع، فإن أسباب ذلك التراجع متعددة، وقد يختلف الرأي حولها، إلا أن هناك، في تقديري الشخصي، أسبابا مهمة تتصل بفقدان الحراك الشعبي لقيادة موحدة مؤثرة، إضافة إلى فقدان الحراك العمق الفكري أو القاعدة الفكرية التي من شأنها صياغة أهداف الحراك، وبالتالي أساليبه.
أما عن فقدان الحراك لقيادة موحدة مؤثرة، فهذا واقع لا يمكن إنكاره، فليس هناك شخص أو جماعة تقوم بمهام القيادة، فالأغلبية منقسمة على ذاتها، وخسرت الكثير من تأثيرها، وهي تستمد وجودها حاليا من الطاقة الذاتية والمكانة الخاصة التي يتمتع بها بعض الأعضاء فيها، هذا فضلا عن الخلافات الحادة بين الأعضاء، سواء على المستوى الشخصي أو المستوى السياسي. وبالطبع، فقد انعكس هذا الانقسام وذاك الخلاف على الجمهور، ولاسيما بين الشباب.
أما على مستوى العمق الفكري للحراك، فإن مقارنة سريعة بين أهداف الحراك المعارض قبل انتخابات مجلس الأمة الحالي وبين الأهداف الحالية، تكفي لتأكيد أن الحراك الحالي يدور حول نفسه بلا جدوى. ففي الفترة السابقة على الانتخابات كان للحراك هوية سياسية واضحة ارتفعت خلالها نبرة المطالب السياسية وارتفع سقف الخطاب السياسي، وهو الأمر الذي أقلق السلطة كثيرا، لأن الحراك المعارض كان يعمل على إعادة صياغة العلاقة السياسية بين الشعب والشيوخ، إذ تم إسقاط البعد الاجتماعي من تلك العلاقة، وتم طرح أفكار مثل الإمارة الدستورية والحكومة البرلمانية. أما اليوم، فإن الحراك فقد هويته السياسية، وتحول إلى ما يقترب من نشاط «العلاقات العامة» وإثبات الوجود.
إن الاكتفاء بأنشطة مكررة في الساحات والميادين العامة لن يحقق نتائج مهمة. صحيح أن هذه الأنشطة مطلوبة، ومن المهم استمرارها، إلا أنها وحدها غير كافية لتحقيق نتائج مرجوة. إن المطلوب هو صياغة برنامج سياسي يقترن بخطاب سياسي بسقف مرتفع، مع محاولة إبرام اتفاق عام حول ذلك البرنامج والخطاب. كما أنه من المهم جدا معالجة الخلافات والانقسامات معالجة فعلية لا شكلية.
لقد قدم عدد كبير من شباب الحراك الشعبي ومعهم بعض الأعضاء السابقين تضحية كبيرة، وهم يواجهون احتمالات بحبسهم، في وقت يعاني فيه الحراك التشتت والضعف. إن إعادة التلاحم والتماسك والتآزر للحراك مسألة ملحة جدا.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.