قرأت بإعجاب شديد في مجلة العربي، في عدد شهر فبراير الماضي، مقابلة د. خليفة الوقيان وحديثه عن منطقة المباركية، حيث ذكر تفاصيل تلك المرحلة، وكذلك أعجبني الاستطلاع الجميل للاستاذ الاديب سعود السنعوسي، الذي جاء فيه:
سوق المباركية.. روح البلاد في جسد، وإن طاله الترميم، يبقى قديماً أقرب إلى صورته الأولى، وإن تطاولت البنايات والأبراج من حوله، تحاصره بواجهاتها الزجاجية، يبقى هناك، في قلب مدينة الكويت، في زمن لا يمتّ لزمننا هذا بصلة. بالبساطة إياها، والروح ذاتها.. برائحة عطور الشرق والبخور والحناء.. روائح التوابل الهندية.. زفر أسماك الخليج.. نكهة الحلويات الشعبية.. عبق الفواكه والخضار بأشكالها وأنواعها وألوانها المختلفة. وأصوات الباعة فيه وهي تكوّن مزيجاً تذوب فيه اللهجات بين الكويت ومصر واليمن والهند وبلاد فارس والشام.
أما السوق اليوم في نظر الشاعر خليفة الوقيان: «فبالطبع السوق فقد، بالدرجة الأولى، أهله وناسه الأساسيين الذين كانوا يبيعون هناك، قديماً، في منتصف سوق الخضار، على سبيل المثال، كانت هناك مجموعة من السيدات يبعن منتجاتهن الزراعية من الكزبر والشبنت والفجل وما إلى ذلك.. نساء مبرقعات جميلات لهن مكانهن المعروف. وكان هناك بعض الشعراء، الكبار في السن آنذاك، كشعراء النبط الذين كانوا يمرون في السوق، وأنا أعتقد ان الكثير من قصائد الغزل لديهم كتبت تغزلاً في مرتادات السوق من النساء والبائعات. وقد عاصرت آخر هؤلاء الشعراء، وكنت صغيراً آنذاك، ولكنني لن أذكر اسمه (يضحك). كان يسير في السوق وهو في كامل زينته، أنيقاً يرتدي البشت يقضي وقتاً في السوق يتفرج على الناس من حوله.
هذا ما أغراني للقيام بجولة في منطقة المباركية.
كما شجعني على ذلك العم خالد علي الخرافي، حيث كان مسقط رأسنا في منطقة المباركية، منزل الأجداد، منزل جدي حسين الخرافي، وتذكر العم بووليد عبق التاريخ حين اقتربنا من مكان منزل العائلة، حيث الاخوان يسكنون في المنزل نفسه، كل اخ مع زوجته وابنائه في حجرة منفصلة.
فالمباركية في حي الوسط، وكانت مركز التجارة، وسميت باسم المدرسة المباركية التي بُنيت في عام ١٩١١ في عهد الشيخ مبارك الصباح
، وتكفل ببنائها تجار الكويت وشيوخها، وفي المباركية كانت الاسواق الرئيسية لشراء المواد الغذائية من سوق اللحم وسوق السمك وسوق الخضرة وحتى الجراد يباع «مفيوح» (مغلي) للاكل، كما كان هناك سوق لليهود الذين اشتهروا بتجارة الأقمشة وصياغة الذهب. وكان التجار هم من يشرفون على البيع في محلاتهم بأنفسهم، وكان سعر ١٠ ارطال (٥كيلو غرامات) من السمك الزبيدي بنصف روبية (٣٥فلساً)، في تلك الازمان كانت المعيشة رخيصة، ولكن الحصول على لقمة العيش كان بصعوبة كبيرة، إما بالتعرض لاخطار البحر واهواله بالغوص للبحث عن اللؤلؤ، او السفر لسواحل افريقيا والهند والتعرض للعواصف والامواج العالية الهائجة. وأما أهل الكويت من ابناء البادية فيبحثون بمشقة وتعب عن العشب والكلأ لأغنامهم وإبلهم في صحراء الكويت، وكان الكويتيون متعاونين متحابين متآلفين، يساعد بعضهم بعضاً، وكان الفريج في السابق يُعد اسرة واحدة، حيث يلتقي اهله في البراحة او في الدواوين للفزعة للمحتاج، وفي الافراح والاتراح.
ومررنا على مسجد البحر القديم، اما بعد ظهور النفط فقد تغير كل شيء، وتم بناء البيوت السكنية في مناطق السكن الخاص وابتعد الناس بعضهم عن بعض، وانشغلوا بمشاغلهم واصبح الجار لا يعرف جاره.
وما شاهدناه من إعادة إحياء تراث كويت الماضي في منطقة المباركية وكشك الشيخ مبارك، الذي أسس عام 1897 في عهد مبارك الكبير، اسعد اهل الكويت والوافدين واهل الخليج السيّاح.
وخلال جولتنا لم نجد ازعاجاً، بل كانت المنطقة على زحمتها واكتظاظها هادئة، وارضية ممراتها نظيفة، وتم تركيب مصابيح مضيئة في الارضية تجمّل المكان.
المتواجدون في المباركية أتوا ليفرجوا عن انفسهم، اتوا بروح جميلة راقية متفائلة، وتم تخصيص ساحات فيها العاب وموسيقى للاطفال وجلسات للشباب والكبار. كبار السن فرحون بتذكرهم الماضي الجميل، فقد كانت ممرات سوق المباركية مزدحمة، واضح ان الناس في الكويت عطشى للفرح.
كما لاحظنا ان الكل سعيد ومرتاح، الكبير والصغير والنساء والرجال والشباب والشابات، والمأكولات تباع بأسعار مقبولة.
وما اسعدني وسّر خاطري تواجد فتيات كويتيات يبعن منتوجاتهن المتنوعة والمبتكرة، وهو امر ايجابي جداً نفخر بهن، وهو دليل على أنه لو توافرت الفرص فبإمكان بنات الكويت وشبابها ان يبدعوا، ونشكر من قام بهذه الخطوة الطيبة باعطاء الفرصة لشاباتنا بتخصيص بسطات لهن لبيع منتجاتهن مما صنعته ايديهن من منتجات متنوعة تتميز بالذوق الراقي والاسعار المقبولة، وفكرة المشروع متميزة.
ظاهرة لم تعجبني، حيث لاحظت ان المحلات المؤجرة في المباركية يغلب عليها وافدون آسيويون، فأين انتم يا أبناء الكويت من الاستثمار في تجارة التجزئة؟ حيث وجدنا أن وافدين هم من يستغلون هذه المحلات، وتبين انها برخص تجارية لكويتيين وكويتيات يتم تأجيرها بمبالغ زهيدة لوافدين وآسيويين ، للاسف شبابنا لا يحاولون ممارسة التجارة.
***
صدفة جميلة خير من الف ميعاد، فحين دلفنا إلى محل عبدالله أحمد المسلم لبيع الملابس الشعبية، كان العم عبدالله موجوداً في محله، وهو من تجاوز عمره الثمانين عاماً، وتعرف على العم خالد الخرافي، حيث كانا في الصف نفسه في مدرسة الاحمدية، وتذكرا تلك الفترة الجميلة من حياتهما.
وفرح رجال الاعمال ببيع التجزئة لمناسبة العيد الوطني، حيث كان البيع جيداً، متمنين الأمن والأمان والاستقرار للكويت.
ولاحظت ان جميع من تحدثت معه من زوار للمباركية – كباراً وصغاراً – سعادتهم كبيرة وفرحتهم غامرة بهذه المناسبة الجميلة، وجميعهم يدعون لسمو الامير وولي عهده بدوام الصحة والعافية، متمنين من الله ألا يغير علينا بشيوخنا الطيبين.
ندعو اهل الكويت لزيارة هذه الاماكن التراثية ليتعرف الاطفال والشباب على ماضي الكويت، ويتذكر كبار السن عبق ماضي الكويت الجميل.
وفي الوقت نفسه، نلفت نظر المسؤولين المعنيين لبعض المسامير، فتجب ازالتها ومسح آثارها حتى لا تعيق المشاة، لقد سئم اهل الكويت التأزيم والتصعيد، وانهكتهم واتعبتهم اثارة القلاقل بشكل دائم ومستمر من قبل البعض، سواء كانوا نواباً او خارج عضوية البرلمان، لم يتعود اهل الكويت على هذه السلوكيات، وهم الذين تحكمهم دولة القانون والدستور.
***
فأداء فتياتنا طيب – شي طيب – كما نشكر من نفذ مشروع تطوير منطقة المباركية واسواق الكويت وشارع الغربللي العريق، وسعدنا بزيارة سمو رئيس الوزراء، يرافقه الشيخ محمد المبارك وزير البلدية، وهي دلالة على تشجيع الحكومة ورضاها عن انجاز هذا المشروع الجميل الذي افرح اهل الكويت. نتمنى ان تتكرر بمشاريع ترفيهية اخرى في باقي مناطق الكويت ومحافظاتها.
وكانت وزارة الاعلام في فترة ما قبل – وخلال – العيد الوطني ناشطة جداً اذاعياً وتلفزيونياً، واحتفالياتها ومسابقاتها في منطقة كشك الشيخ مبارك وساحة العلم وغيرها من مواقع، نشكر القائمين على وزارة الاعلام، وعلى رأسهم وزير الاعلام الشيخ سلمان الصباح، والمذيعين والمعدين والمخرجين، وكذلك سعدنا كثيراً باحتفاليات وأمسيات فنية جميلة اقامها المجلس الوطني للثقافة والفنون، فللقائمين عليه الشكر الجزيل.
من الواجب أن ننتقد السلبيات، انما ايضاً من الواجب ان نظهر الجوانب الحلوة في الكويت.
***
ونقتبس هذه الابيات الشعرية الجميلة من د. خليفة الوقيان:
«ارضنا كانت وتبقى
دوحة الحب الكبير
بحرنا قد كان رزقاً
وبه عشنا دهور
كيف نرضى في ربانا
هدم أعشاش الطيور؟»
خليفة مساعد الخرافي
kalkharafi@gmail.com
kalkharafi@
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق